من إعاقة إلى طاقة…!!!
من إعاقة إلى طاقة…!!!
محسن الحاتمي
لكل منا ميزة و مواهب تبقى تميزنا عن غيرنا، وقد تنسب إلينا صفات أما على هيئة إبداعات أو سلوكيات وأحيانا تكون بالإيجاب أو السلب، وهي بمثابة تصرفات بديهية تلقائية تنتج عن أي شخص..، وقد تكتشف في مراحلها الأولى و تطمس تكاد حتى تلغى إذا لاقت السخرية و الاستهزاء.،، وهنا سوف نشعر بالإحباط واليأس..!! أما إذا وجدت من يشجعها وينمي تلك المهارات و الإبداعات و السلوكيات فقد تتطور و تأخذ منحنى آخر،ويكتسب الشخص الثقة و الإستمرارية في الإبداع..،، وقد نلجأ أحيانا إلى الخروج في أماكن عدة إبتداءا من التقوقع في بيئة المنزل إلى المدرسة و من ثم إلى بيئة العمل أيضا، وأحيانا حتى في الأماكن العامة و هي تعتبر النافذة في سرعة نشر و ظهور تلك التصرفات.. ومن المؤسف لبعض الأسر تخجل أن أبنها معاق..!!
هنا يبدأ الحوار مع الذات (الإعاقة) .. والمجتمع..!! ولدت ولم أختر أعاقتي بيدي أتحاسبوني على ذنب لم أقترفه بنفسي.. هل أستسلم مع ذاتي أم تكون هناك مقاومة، وهل أبقى متقوقع على نفسي والهروب من الظهور في المجتمع.. هناك صراع داخلي بين أن أكون إيجابيا أو سلبيا.. القرار النهائي عائدا لي بطبيعة الحال، وهناك ستكون عدة مغامرات لابد منها..،، سأضع نفسي أشبه بما يكون لحقل تجارب من أجل أكتشاف الذات كالفنية، الرياضية، الأدبية، العلمية، وحتى السياسية، وتعتبر هذه المرحلة الأصعب في أكتشاف الموهبة…!! وتختلف تماما عند الأشخاص الأسوياء ليسوا بحاجة لتعريضهم لتلك التجارب والفرص فهم لديهم شأن مخالف تماما..!!
(المجتمع).. علمني أن أكتشف ذاتي وعدم الإستسلام، وهنا بدأ مشوار بروز المواهب والإبداعات.. قد تبدوا بالنسبة لي أشياء بديهية طبيعية قد لا ألحظها بتاتا أو تكاد لا أشعر بها.. قد يصفق لي شخصا أو مجموعة ما من الناس على أداء معين أو عمل ما.. هل فعلا أنا أستحق هذا التصفيق وعلى أي شيئ أساسا تم تحفيزي..!! هل قمت بأداء غير مألوف أو شيئ دخيل نوعا ما عن الطبيعة البشرية..؟ في كل مرة يأتيني شخصا ما يبادر بنفسه..،، لقد أتيت لشكرك والثناء على مجهودك..،، لكنكم تقولون أني معاق لست مثلكم.. لم يتمالك نفسه فيرد بصوت خالطه الحزن كاد يجهش بالبكاء.. أنت لست معاقا بل نحن المعاقين العاجزين عن تقديم خدمة البناء والعطاء لوطننا الذي ولدنا فيه.. معاقين بتفكيرنا.. رجعيين بتصرفاتنا.. أنت جعلتني رمزا للكفاح و قدوة في الجهاد..!!
من هنا عرفت أن لدي إتجاهات إيجابية نحو مجتمعي، رغم كون منظوري لنفسي إن أعاقتي قد تكون يوما ما حاجزا أو حجر عثرة أمام تحقيق ما أسعى إليه، وكذلك بمثابة شخص محتاج للشفقة والعطف عليه، أو يعاني من إنتقاص ما..،، وقد أختار لنفسي زاوية إنعزال عن الحراك اليومي كوني لا أنتمي إلى هذا الحراك النشط..، وهنا قد أعلنت تدمير ذاتي بذاتي.. غلبت على نفسي مواطن نقاط الضعف…!!
بينما في الجانب الآخر هناك نقاط قوة بحاجة إلى إنعاش واستغلال في مجالات عدة..،، وهنا قد أنتصرت على إعاقتي.. وبدأت في التعويض من النقص الجسدي الذي أعاني منه إلى شخص مبدع و مبتكر.. فرضت نفسي أمام أمر الواقع.. شخص ينافس ولا يقارن بإخوانه الأسوياء..!! لقد أشعرتموني بعجزي واليوم قبلت التحدي.. لست معاقا طالما أسمو بذاتي..!!
سأجعل من قوة الإرادة والموهبة.. إنتصارا و تعويضا على النقص الجسدي الذي فقدته.. سألغي الخطأ السائد بأن الموهبة لغير المعاقين تنسب.. وسأعترض بشدة على مقولة (العقل السليم في الجسم السليم ) ليس لها شيئ من الواقع،بل هي مجرد كلمات تردد دون أن تفهم، وليس من جلس على الكرسي معاقا..، لا بل هناك معاق غيره.. هو معاق الأخلاق و معاق العقل و معاق الضمير والتفكير.. أدعوكم لقراءة تاريخكم الذي يشهد: عبدالله أبن أم مكتوم، ودعبل الخزاعي، و أبو العلاء المعري، و وعميد الأدب العربي طه حسين، والشاعر بشار أبن برد، و توماس إدسون، و إلكسندر بل، و إسحاق نيوتن،.. جميعهم فقدوا أعضائهم وصاروا عظماء الإنسانية، وأضاؤا للعالم العلم و المعرفة..!!
عرفت بأنه لا يوجد معاقا،، بل يوجد مجتمع معيق..!! أنا لست نكرة أو صفحة مطوية في ذاكرة النسيان..،ولست مجرد رقم بين أفراد عائلتي و مجتمعي.. أنا من جلس على الكرسي المتحرك كنت طالبا واليوم موظف.. فلم أضعف و لست ممن إستكان.. (مميز ) بإعاقتي ليس موتي من الحياة…وليس ممن دفن مستقبله قبل أن يدفن..!! أرى الحياة أمامي بعالم مختلف عنكم..!!
بين الإعاقة و الموهبة علاقة سنختار وسيلة أخرى للتعبير إذا الأعضاء فقدت.. فلا نيأس ولا نستسلم..!! إعاقتي ليست نهايتي.. بل هي بداية لعالم مشرق..!!