فلسفة الحياة
د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري
باحث وكاتب أزهري
من نظر في أمر هذه الحياة وعرف شؤونها وخَبِر تصرفاتها، وكانت له خبراتٌ كافية، وتجارب متكررة علم أنها عبارةٌ عن معارك يومية تموج بالأحداث المزعجة موجاً، حيث تتخللها المعكرات، وينتابها الرزايا.
يدرك المستبصر بها العارف لحقيقتها أنّ الإنسان يعيش فيها في معترك هائل من المشاكسات اليومية التي لا يخلو منها أحدٌ، وهو فيها بمثابة المخاطر في معترك الحرب.
وقد يتوهم البعض أنه يمكن أن يعيش فيها حياة صافية لا يشوبها كدر، ولا ينتابها حزن، ولا يقترب منها آلام، ولا يخالطها شقاء، فمن ظن هذا فهو واهم ومُكذب لحاله وواقعه، فالحياةُ مليئةٌ بما يلظي الفؤاد، ويُشجي النفوس، ويذري الدموع.
ومن كان هذا حاله فليطلب حياة غير هذه الحياة، وليبحث عن نظام حياتي غير هذا النظام، وليفتش عن سنة كونية غير هذه السنن إن استطاع إليها سبيلاً، ولن يجد لسنة الله تبديلاً.
إنّ الإنسان في هذه الحياة أشبه ما يكون بمثابة المخاطر -كما أسلفت- في معترك حرب؛ إن فاته الموت فيها لن تفوته الإصابة، وإن فاتته ضربةُ سيف لا تفوته رمية سهم، وإن فاتته رمية سهم لا تفوته طعنة رمح، وهكذا الحياة وما فيها.
لكلّ إنسانٍ منا في هذه الحياة بلاياه الخاصة به ومشاكله المجهدة له ذهنياً وبدنياً، وهذه البلايا أو المشاكل تختلف من شخصٍ لشخص، لكن أثرها في الكلّ واحد، فتغيرات الناس على أثرها واحدٌ، وظهور نتائجها على الجميع أمرٌ واضح.
لا يستطيع أحدٌ منا أخذ عهدٍ على ربه سبحانه وتعالى بدوام السعادة والنعم والسلامة من الرزايا مع العلم والإقرار بأن كلّ ما نملكه من مال وولد وزينة في هذه الحياة الدنيا إنما هو سُلفة مؤقتة أعارنا الله إياها.
هذه العارية التي أعارنا الله إياها لو شاء المولى سبحانه منعها فلم يُعطها، فمن عرف ذلك كان حرياً أن يتوقع استردادها في كلّ حين وزوالها في كلّ يوم، وإذا زالت لا يرد على النفس الإزعاج.
هذه هي (فلسفة الحياة) حتى تعيش عيشة الراضي بقضاء الله وقدره، والمستسلم لأوامره سبحانه، فلا تحزن على فوات أشياء كانت مستحقة منك أن تنتظر فواتها قبل وقت فواتها، ولا تجزع على أمورٍ كان خيراً لك أن تعلم وقوعها قبل يوم وقوعها.
إذا استشعرتَ هذه المعاني وتفكرت فيها وغلبتَ جانب التسليم والإذعان فإنه سيصل بك الحال إلى أن تسلم أمرك كله لله عز وجل، وستعلم حينها أنّ ما أصابك ويصيبك مستقبلاً هو سنة الله في خلقه، وأن الأمر كلّه لله.
لستَ الشخص الوحيد الذي يعاني من ضغوطات الحياة وشدة الأيام وتقلبات الليالي، فيعرف الكثير منّا أشخاصاً ليسوا بالقليل مروا بما مررتَ به، وربما أكثر مما أنتَ فيه غير أنهم لم يستسلموا للظروف، فكانوا يَظهرون في كامل قوتهم حتى حولوا ظروفهم لنجاحات يعقبها نجاحات.