نور آخر النفق
لطيفة محمد البوعينين
حين كنا صغاراً، كنا حديثي المعرفة بالحياة، رأينا نورها فرحين، ثم رأينا لونها وردياً زاهياً، نعيش لحظاتها لحظةً لحظة، وأيامها يوماً بعد يوم، وفكرة السعادة الأبدية تملأ عقولنا الصغيرة، ونعطي قلوبنا البريئة لأجنحة الخيال تطير بها إلى عالمه البديع، كنا نحسب كل شيء ممكن، وكنا نريد امتلاك الدنيا كلها، ولا نعلم أن الدنيا قد تأخذ أكثر مما تعطي، وتؤلم أكثر مما تعلم، وتشقي أكثر مما تسعد.
وتمر بنا الأيام والأعوام، وتأخذنا في دائرتها نحو الكبر، يتغير بمرورها كل شيء فينا، تضيق خيالاتنا، وتتغير نظراتنا، ونزهد أشياءً أحببناها، ويزداد الحمل على أكتافنا؛ لتبدأ المعاناة والامتحان الأبدي.
الحياة لم تخلق للفرح والسعادة والراحة، بقدر ما خلقت للبذل والسعي وصبر على الابتلاء في خيره وشره، حياة لا تخلو من التضحيات الصعبة، والتنازلات المرة، ليبقى للإنسان ما هو خيرٌ له طوال عمره.
تلك الصعاب والشدائد التي نواجهها، وذلك المسير الطويل هرباً منها، كما لو كنا في نفقٍ مظلمٍ طويل، لا تنجلي ظلمته إلا في آخره، بنورٍ مشرق يكلل مساعينا بالاجتياز والنجاح، وليس شرطاً أن يكون تحقيق غاية، بل تكفي القناعة والرضا ليكونا شعبتين طيبتين من شعب النجاح اللامتناهية.
نور آخر النفق، يكفينا لكي ينير كل حياتنا، فلا أنوار الطفولة ولا سعة المخيلة تعادل ذلك النور البعيد الذي يمنحنا القوة، ويزيدنا حكمة، وينسينا عثرات الظلام ووحشته، إنه من أسرار السعادة التي يبحث الجميع عنها على مر الزمان وهي متواجدة في أبسط تفاصيلنا ونحن لا نعلم.