ما زالت القلوب مدفونة في تابوت الأموات…
إلهام السيابية
أمسكت ميساء بهاتفها المحمول مترددة في الإتصال عليها، ولكن ماذا ستقول ؟ وكيف ستكون ردة فعلهم ؟ هل سيقابلونها بجفاء؟ ربما الوقت مازال مبكرا، فهي لا تريد أن تزعج أحدا ، ستحاول الإتصال في وقت آخر..
اعادت وضع هاتفها على طاولة مكتبها، وفي رأسها تتهافت الأسئلة والاستفسارات…ماذا ستفعل ؟؟ لم تتقبل فكرة الإتصال من الأساس، فالواجب يحتم عليها الذهاب لا الإتصال ، ولكنها غير مستعدة لتلقي اللوم والتجريح والعتاب ..لتجرب الإتصال ، فإن أحست بأن الامور طيبة ستسرع بالذهاب لبيت عمها الذي توفاه الله أثر مرض ألم به ..
عادت بها الذكريات القديمة لتتركها تعيش لحظات بين الماضي والحاضر ،بين الخيال والواقع، إرتسمت أمامها قصة البعد الأسري بين العائلتين بعد أن كانتا من أقوى الروابط الأسرية، لكن عزوف اخاها طلال عن الزواج، واصرار عمها في تزويجه من إبنته كانت ملحة لشدة حبه له، واعتباره في منزلة ابنه لا ابن اخيه، رغم عدم تقبل طلال لإبنة عمه، الا انه كان يكن لعمه حبا كبيرا ولم يرفض له طلب،وكثيرا ما عرف عن طلال أنه لم يكن من الشباب المستهتر اللعوب، بل كان شابا طموحا بارا بوالدتة، محبا لأهله وعشيرته، فرغم أنه لم يكن يحب إبنة عمه، ولم يفكر فيها كزوجة من الأساس، الا ان فكره لم يكن مشغولا في فتاة أخرى، فقلبه كان فارغا و صافيا لا يحمل ذلك الحب المجنون، أو العشق المفتون لأي إمرأة..فلم يرفض او يعارض طلب عمه، لأن عمه هو المسؤول الأول عنهم بعد وفاة أبيه، وتحمل مسؤوليتهم ولم يتوانى في خدمتهم فكان لابد لطلال ان يكون مبادرا لرد الجميل والوفاء له.
وبالفعل ارتبط طلال بإبنة عمه بعقد القرآن الشرعي ولم يتبقى إلا الإحتفال بليلة الزفاف، ومر الشهر الأول، والثاني،والثالث وطلال يزداد يقينا أنها ليست المرأة المناسبة له ، فهو يبحث عن امرأة طموحة ؟ ناضجة ، لا يكون همها فقط الحب والطبخ والكنس ، والأولاد وإنما كان يبحث عن من تستغل وقتها في دورات تثقيفية بما ينمي مواهبها واحلامها ، فقرر بينه وبين نفسه ان يتحدث مع امه مترددا ومعلنا رغبته في الإنفصال !!؟! أندهشت امه وطلبت منه التروي وعدم التسرع ، فلربما الفتاة لا تعرف كيف تصرح له بافكارها ومشاعرها، فهي فتاة بسيطة لا تبحث إلا عن الستر بمن تحب ،والطلاق مصير مؤلم لابنة عمه بأن تكون بإسم مطلقة بدون اسباب تذكر، مجرد عدم الراحة النفسية ، ومع إصرار ابنها
أخذت تلطم نفسها ووضعت يدها على رأسها خوفا على سمعة الفتاة، فهي تخشى على بناتها من نفس المصير ، وانتشر الخبر في العائلة كالنار في الهشيم، ووصل لعمه الذي أقام الدنيا واقعدها، واشتدت الأسرتان في صراع ..وتم الطلاق ، وتفرقت الأسرتان بعد أن كانتا يضرب بهما المثل في الترابط والتآلف …وحاول طلال التفاهم مع عمه الا انه كان عنيدا غير متقبلا رفضه لإبنته ..التي كانت تعشق الأرض التي يطأ عليها، ومرت بحالة نفسيه لتركه لها، مما زاد في حزنها وألمها بعد أن كانت تحاول أن تستمع إليه، ولكل ما يحبه ويرضيه، ولكنه وجد ذلك ضعفا في شخصيتها، برغم إنها كانت تحاول أن تجعله يحبها، ولكنها لا تعرف كيف، فأحس وكأنها تفرض نفسها عليه ،فلم يتقبل الأمر، ظنا منه بانها تحاول السيطرة عليه، بينما هو كأنه يحاول أن يجد أي سبب ولو كان تافها ليتحجج به في تركها و الإبتعاد عنها، والسبب الحقيقي انها لم تستطيع أن تتلمس شغاف قلبه، ولم تستطيع ان تحتضن فكره وعقله ليعيش معها قصة حب حقيقية مليئة بالمشاعر والغرام .
تفرقت العائلتان ، ولم يتقبل العم طلاق إبنته ، رغم زواجها بعد فترة بشخص أخر والانجاب منه، الا انه مازال غاضبا وحانقا على طلال إبن أخيه، لايقبل الحديث معه او مع اي فرد من افراد أسرتة.. رغم المحاولات الكثيرة للتسامح وتصفية النفوس ونسيان الماضي، الا أنه رفض رفضا قاطعا، حتى التحدث او الخوض في هذا الموضوع ، فبمجرد التلميح للأمر يثير غضبه..فانفصلت العائلة من كان يؤيد تصرف طلال وعدم رغبته في استكمال المشوار، لان الامر سيكون اصعب بوجود الاولاد، ومنهم من رفض لقراره وانه كان عليه ان يكون حازما وصارما من بدايته ولا يتطور لعقد القران …
المهم ابتعدت العائلة باسرها عن أسرة طلال، فالعم هو كبير العائلة، استمر الإنقطاع إلى ان تلقى طلال خبر وفاة عمه ،إثر مرض ألم به ،تلقى الخبر كالصاعقة، فمهما كان ذاك عمه الذي تولى تربيته بعد ابيه،وكان في صراع نفسي هل يبقى بعيدا متفرجا وأخذ في البكاء بحرقة السنين التي ابتعد فيها عن عمه فرفض البقاء في مكانه وأسرع لوداع عمه فهو سيلاقي ربه بذنب القطيعة فأسرع لحضور جنازته، رغم اعتراض أبناء عمومته ولكنه لم يأبه لأي شخص يحاول أن يمنعه او يعترض طريقه للوصول لجثمان عمه، وتقبيل رأسه وهو يقول باكيا : لقد سامحتك ياعم ..لقد سامحتك.
أمسكت ميساء بهاتفها الخلوي وهي تضغط على اسم ابنة عمها وانتظرت، كان مشغولا ..شكرت الله لأن المحاولات الأولى كانت فاشلة، واحيانا مغلقا ، فحاولت من جديد ،أخذ بالرنين.. تستطيع أن تسمع ضربات قلبها بقوة كرنين الهاتف …
_السلام عليكم
_وعليكم السلام
_عظم الله لكم الاجر والثواب.
_لله البقاء و الدوام..عذرا من معي ؟
_ميساء ابنة عمك …
وانقطع الخط مباشرة
ما زالت القلوب مدفونة في تابوت الأموات…