“المعطف الآمن”
منال السيد حسن
قال لها ذات نهارٍ يضج باليأس “أنا هنا” .. ولم تكن تدرك كعادتها معنى قوله هذا إلا عندما مرت بها لحظات اليأس واليبس.. فقد كان اليد الوحيدة التي تمد لها إراديا بتلقائية مفرطة.
في كل مرة كان تتبرج به كان وسيلة عفتها الوحيدة .. وفي كل عجز تتشبع به كان الطريق الأخضر الذي يُفرش لها مملوءا بالمعجزات.
كانت تأخذ حيطتها في وقت الألم خشية اقتراب أحدهم منها فتَظلِم أو تُظْلمْ .. كانت ترى في اقترابه هو -هو وحده- الراحة العظمى .. كل الألم الذي قذف بها على حافة سقطات الفراغ الذي يودي بحياةِ الكثيرين .. دفعها فجأة بمحض إرادة الله إلى فلفستها العنيدة التي تجبرها بكامل حكمتها في تحويل الحزن والبلية إلى أملٍ مكابر يكشف عن سر الحياة فيها.
إنها لذة الحب .. تلك اللذة التي لكي تستشعرها .. عليك بالثبات وقت المصاب .. وعليك أن تتعلم كيف تطفئ فوهة بركانه المشتعلة رغم الإنصهار بالداخل .. وأن تعلم كيف لك أن تنقح الألم الذي لا يكابده بشر وأن تحول زلزلة الصدع الذي يمس روحك إلى حمامة سلام ..
لذة الحب التي لكي تتلذ بها .. عليك أن تمضي في طريقه المحفوف بالشوك والمخاطر تاركا وراءك نبتة أمل لمن هم خلفك فكما علمنا السلف أن من زرع شيئا حصده ..
عليك أن تتجمل بالصراحة والوضوح.. أن تكون إنسانا رسالته السامية الحب .. أن تُبصر بحسك الإدراكي النور في قلوب الآخرين..
كما عليك أن تعرف كيف تلملم شتات روحك متى كان الكون مبعثرا حولك ..
عليك أن تعمر قصور الحب التي سكنها العشاق قبلك .. أن تتعلم كيف تنثر عطره حين يظن الجميع جفافه.. أن تريهم أسمى آياته حال أصابهم عمى جحوده المؤقت وأن تسقيهم من أنهاره وقت الظمأ والحرمان ..
أن تراهن دوما على بقعة النور البعيدة حين يظن الجميع أن الطريق معتم .. ولو ظللت وحدك تقاتل كن على يقين أنه سيأتي خلفك الكثيرين.
يقول الرافعي: “ما الحب إلا أنس كل امرئ .. لو كان يدري الناس ما الأنس”
وكان هو أنسها ومؤنسها وأنيسها ..
“يا أيها الذي يريني طابع جمال الله في أرضه” قالتها وهي تنظر إلى صوره الشخصية وتتبسم في حب فياض وحنين مشتعل..
حاضرٌ هو في روحها ونظرتها ودقات قلبها .. حاضرٌ هو حد أنه يلُفُها بذراعيه الأمان .. فتغمض عينيها تُبصره .. ذاك الميثاق الغليظ الذي بينهما هو أساس الرابطة القوية العميقة تلك ..