عبدالوهاب العميري: (احلموا وضعوا أحلام كبيرة في أذهانكم)
حاورته أميرة بنت خلفان السعيدية
قد يبتلى الإنسان في هذه الحياة والله عز وجل إذا أحب إنسان إبتلاه ليختبر مدى صبره وتحمله فينال جزيل الثواب وهكذا كان عبدالوهاب بن محمد العميري نبراسا للأمل والصبر فقد فقد بصره في سن الرابعه عشر من عمره ولكن ذلك لم يعيق إنطلاقته بل جعل من إعاقته البصرية حافزا للحياة والنجاح وأصبحت لديه رسالة يومية يعيشها ويعلمها لغيره فانطلق بكل عزيمة وإصرار ليحقق طموحه فأصبح أول مدرب كفيف معتمد في التنمية البشرية في الكويت وأول ممارس متقدم لتقنيات العلاج بما يسمى خط الزمن في الوطن العربي ليثبت أن ليس هناك أي عائق يعيق الطموح ولكن الإعاقة أن تستسلم لهذه الحياة وتقف في مكانك بدون أمل وبدون السعي للأفضل فسعيت لأجري معه هذا الحوار ليستقبل حواري بصدارة رحب :
قوة الإرادة
في البداية حدثنا عن قصتك مع كف البصر؟
*بالنسبة لقصتي مع كف البصر …أنا ولدت مبصر ولكن كنت أعاني من ظرف صحي يطلق عليه الإستسقاء وهو مرض يصيب الجسم ويسبب مشكلة في توزيع السائل الدماغي من الرأس إلى كافة أجزاء الجسد فلم يمنعني هذا الظرف من العيش بسعادة وبهجة فكنت أمارس حياتي اليومية بشكل طبيعي وكنت متفوق دراسيا إلى عمر 14سنة فقدت فيها بصري تماما فقد إرتفع نسبة السائل الدماغي لدي مما أدى إلى الضغط على العصب البصري فإستيقضت وأنا في المستشفى لا أرى شيء أبدا وذلك كان في عام 1997م فكانت صدمة ومفاجأه بالنسبة لي ولأسرتي شعرت فيها بإن حياتي توقفت وبعد مرور عدة أيام لهذة الحادثة التي أصابتني رجعت إلى البيت وتغير كل شيء في حياتي حتى هواياتي التي كنت أمارسها كلعب كرة القدم والرسم والقراءة توقفت عن ممارستها وشعرت بإنني غريب ووحيد مما دفعني إلى الإبتعاد عن أصدقائي فأصبحت أعاني من عزلة نفسية ولكن بعد فترة من الزمن إكتشفت بإن لدي هواية تقليد الأصوات فإستفدت منها وتوجهت إلى عمل أعمال مسرحية وتمثيلية وتسجيلها في جهاز تسجيل وبمشاركة أقربائي معي فهذا الشيء أحدث لدي نقلة في حياتي وجعلني أدرك بإنني استطيع أن أعمل شيئ جديد وإكتشفت أيضا بإنني أحب مجال التنمية الذاتية فإستمعت لمحاضرات كثيرة لدكتور إبراهيم الفقي وصلاح الراشد فإستفدت منها كثيرا وإستعدت من خلالها إيجابيتي وثقتي بنفسي وشعرت بإن الإنسان يمكن أن يتغير ويمكن أن يصبح رسالة في هذه الحياة .
-أخذ الله سبحانه وتعالى منك نور البصر وعوضك بنور البصيرة حدثنا عن مسيرتك العلمية؟
*عندما فقدت بصري كنت في الصف الأول ثانوي فتوقفت عن الدراسة وبعد ذلك قمت بالتسجيل في نظام التعليم المنزلي ولكنني لم أتقبلها لانها كانت مختلفة عن جو الدراسة الذي كنت معتاد عليه سابقا فذهبت وسجلت في معهد الرجاء للبنين لإستكمال مرحلة الثانوية وكان هذا المعهد مخصص لذوي الإحتياجات الخاصة فتحديت كل الصعاب وتخرجت من الثانوية وإلتحقت بجامعة الكويت قسم الإعلام شعبة الصحافة
-ماهي الصعوبات التي واجهتك في مرحلة الدراسة؟
*واجهتني صعوبات كثيرة ومن بينها عدم توفر الكتب بلغة برايل وعدم توفر أشرطة تسجيلية مسموعة للمواد مما دفعني للتسجيل بنفسي في الفصل بالإضافة إلى مساعدة أهلي لي في تسجيل بعض المقررات ومن الصعوبات التي واجهتني أيضا هي صعوبة التأقلم مع زملائي الطلاب فعلى الرغم من إنني كنت ادرس في معهد خاص بذوي الإحتياجات الخاصة إلاا إنني كنت الكفيف الوحيد في الفصل فكنت أدرس مع إعاقات مختلفة حركية وغيرها وأيضا أكبر تحدي بالنسبة لي دخولي الجامعة وتخصصي تخصص إعلام والمواجهة المباشرة مع المبصرين والإنخراط في المجتمع .
)إجعل بصرك وبصيرتك متجهة نحو الأمام وسوف تجدني بإنتظارك في القمة(
-لمجال التنمية البشرية رحلة شغف وإبداع حدثنا عن رحلتك في هذا المجال؟
*بدأت رحلتي في مجال التنمية البشرية من خلال إستماعي المكثف لمحاضرات التنمية البشرية وفي عام 2009م بدأت أتعمق كثيرا في هذا المجال وذلك من خلال الإستماع لإصدارات الدكتور إبراهيم الفقي المتعلقة بالعقل الباطن وبرمجة العقل الباطن وفي الحقيقة وجدت في بداية الأمر صعوبة في إستيعاب ذلك الكلام وتلك المصطلحات ولكن مع مرور الزمن ومع كثرة التكرار بدأت أستوعب وإستمتع بالإستماع وفي عام 2010م وبتشجيع من أحد أصدقائي الأعزاء إقترح علي حضور مؤتمر أقامه طارق السويدان وبحضور مدرب عالمي في التنمية البشرية ومجموعة من المدربين المتخصصين العرب فحضرت هذا المؤتمر الذي كان يتحدث عن القيادة والسعادة في نفس الوقت فألتقيت بالمدرب العالمي مارشيل جولد سميث وطارق سويدان الذان شجعاني على الدخول في هذا المجال وفي عام 2011م حضرت دورة مميزة لدكتور إبراهيم الفقي والذي بدوره شجعني أيضا وقدم لي نصيحة ذهبية وهي )إحرص على التعلم والإحتكاك بالمدربين والعلماء قدر المستطاع وإحرص على تنظيم وقتك وإشغله بالعلم والتعلم ولا تلتفت للماضي ..إجعل بصرك وبصيرتك متجهة نحو الأمام وسوف تجدني بإنتظارك في القمة (وإستمررت في حضور الدورات فأخذت دورة في التوجيه الشخصي وأساليب التذكر القوي ودورات في التنويم الإيحائي وتقنيات العلاج بخط الزمن والبرمجة اللغوية العصبية و20دورة في علم النفس وشهادات معتمدة من الدكتور طارق الحبيب ودورة إعداد مدرب معتمد وحصلت على شهادة حضور لدورة المدرب المحترف وشهادة المستشار المعتمد إلى أن وصلت لإعطاء محاضرات تحفيزية في المدارس وبعض الشركات والمناسبات الوطنية وقمت بإعطاء جلسات علاجية إرشادية هاتفية ومكتبية في الكويت وخارج الكويت وقدمت مجموعة من الفقرات التنموية في بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية وركزت في هذا المجال على الأنماط الشخصية والتوجيه الشخصي والمهني وحصلت على شهادة إحتراف في هذا المجال وتقنيات العلاج بخط الزمن كممارس متقدم وأول كفيف عربي في هذا المجال .
تحديات
-ما أهم التحديات التي واجهتك في هذا المجال؟
*بالنسبة للتحديات التي واجهتني في هذا المجال هي كثيرة ومن بينها ما يتعلق بإلتحاقي بالدورات وهي الشعور بالرهبة الداخلية التي قد تصيب أي كفيف عند مخالطته للمبصرين خصوصا في حالة كونه الكفيف الوحيد الموجود في المكان فتغلبت عليها بالتعود والحضور المستمر للدورات ومن التحديات أيضا صعوبة الحصول على المادة العلمية في بعض الدورات بحكم إنها غير مهيئة للمكفوفين فتغلبت عليها بتسجيل هذه الدورات في جهاز البوكس سينز وأيضا بطباعة المذكرات بصيغة وورد وواجهتني أيضا صعوبة فهم بعض المعلومات وصعوبة تطبيق بعض التقنيات كالتنويم الإيحائي ومن التحديات أيضا الممارسة العملية فمن الطبيعي أن يجد الكفيف صعوبة في تواصله مع الجمهور وكذلك الجهد المضاعف الذي كنت أبذله لإعداد المادة العلمية التي سوف أقدمها في المحاضرات والبرامج وصادفتني تحديات في الجلسات العلاجية ومواجهة العميل المبصر والتعامل معه وفهم مشكلته فتغلبت على ذلك من خلال تقوية الخيال لدي وأخذ دورات في التخاطر الذهني وفهم العميل من نبرة صوته .
-يقال أن القراءة مفتاح المعرفة وطريق الرقي كيف استطعت أن تقرأ الكتب وتثقف نفسك على الرغم من كف بصرك؟
*على الرغم من كف بصري إلاا إنني ولله الحمد إستطعت التغلب على عقبة القراءة ففي البداية كنت أبحث عن المواد العلمية المسجلة في الأشرطة والسيديهات وفي بعض الأحيان أطلب من شخص يقرأ لي الكتاب ولكن كنت أواجه مشكلة عدم وجود شخص متفرغ يقرأ لي في أي وقت فقمت بحل هذه المشكلة من خلال أخذ الكتاب إلى محل الطباعة وإعادة كتابته بصيغة وورد لكي أتمكن بنفسي من قرائته بأحد الإجهزة الخاصة بالمكفوفين فإستطعت بهذة الطريقة الحصول على المعلومات وقراءة أشهر الكتب المتعلقة بالتنمية البشرية وعلى الرغم من إن الطباعة كانت مكلفة جدا إلا إنني قررت أن أسخرها لهذا الغرض ومن الوسائل التي ساعدتني على القراءة والإطلاع هي شبكة الإنترنت واليوتيوب كما إنني أحرص كثيرا لذهاب شخصيا لمعرض الكتاب والمكتبات لإقتناء الكتب ولا شك أن المداومة اليومية على القراءة عن طريق جهاز البوكس سينز هي التي ساعدتني وشكلت لدي حصيلة علمية وكم هائل من المعلومات والمعرفة الجيدة .
-للتقنية والتكنولوجيا دور كبير في تطوير الشخص وتسهيل أموره كيف وظفت التقنية في مجال حياتك؟
*لعبت التقنية دور كبير في حياتي فمثل ما أخبرتك سابقا فكنت إستخدم جهاز البوكس سينز للقراءة وتسجيل المحاضرات وإستفدت كثيرا من جهاز البرايل سنس والحاسب الآلي المدعم ببرامج ناطقة وأيضا جهاز كاشف الألوان وجهاز الأيفون الذي مكنني من التواصل مع الناس في وسائل التواصل الاجتماعي كمدرب تنمية بشرية فلعبت التقنية والتكنولوجيا دور كبير في حياتي وجعلتني أشعر بالإستقلالية .
نظرة المجتمع
-كيف ترى نظرة المجتمع للكفيف؟
*بالنسبة لنظرة المجتمع للكفيف تعتمد بشكل أساسي ورئيسي على نظرة الكفيف لنفسه فإذا تقبل الكفيف ذاته ووثق بقدراته وتعرف على نقاط ضعفه وتقبلها وسعى لتطويرها فسوف يشعر بإن العالم بأكمله يرحب به أما إذا لم يتقبل ذاته فلن يتقبله مجتمعه .
رسالة تنموية
-بإعتبارك مدرب في التنمية البشرية رسالة تنموية توجهها لمن يقرأ هذا الحوار
*أخيرا وفي نهاية هذا الحوار الممتع الرسالة التنموية التي أوجهها للناس والمجتمع أقول لهم )إحلموا وضعوا أحلام كبيرة في أذهانكم فإبدأوا ببدايات بسيطة على أرض الواقع وإبدأوا من الآن للسعي في تحقيق هذه الأحلام وسوف تصلون بإذن الله وأيضا أود أن أقول لهم بإن الحياة حلوه رغم كل الصعوبات والظروف فهي تعتمد على نظرة الإنسان لذاته فإذا كانت نظرته إيجابية ولديه قناعة بما قسم الله له فسوف يستمتع بالحياة أما إذا كانت نظرته سلبية وليس لديه قناعة فلن يسعد أبدا مهما كان يمتلك المال والقدرات والمهارات .