الخميس: 27 مارس 2025م - العدد رقم 2502
Adsense
مقالات صحفية

الإحلال والتوظيف في عُمان: بين انتقاء الأرقام وأولوية المواطن

سليمان بن حمد العامري

يواجه سوق العمل في عُمان تحديات كبيرة تتعلق بتوظيف المواطنين وإحلالهم محل العمالة الوافدة. وبينما تؤكد الجهات الرسمية سعيها لتقليل الاعتماد على الوافدين، تظهر البيانات الرسمية فجوة واضحة بين التصريحات والسياسات الفعلية. ففي تصريح لمعالي وزير العمل بتاريخ ١٧ مارس ٢٠٢٥م، أشار إلى أن عدد الوافدين في الوظائف الدائمة بالقطاع الحكومي لا يتجاوز ٢٦,٠٠٠ عامل، في حين أن بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات – وهي جهة رسمية – تؤكد أن العدد الفعلي، بدون تحديد ما إذا كانت دائمة أو غير ذلك، يتجاوز ٤٢,٠٠٠ موظف وافد. يطرح هذا التركيز على عدد الوظائف الدائمة التي يشغلها الوافدون في القطاع العام تساؤلات حول البيانات المقدمة للجمهور، ومدى شموليتها، وما إذا كان هناك انتقاء متعمد للأرقام لتخفيف حدة المشكلة وإظهارها بحجم أقل مما هي عليه. لذا، لا بد أن تكون الأرقام المقدمة شفافة وشاملة وليست منتقاة، لأنها الأساس الذي تُبنى عليه سياسات التوظيف. وأي معالجة غير دقيقة قد تؤدي إلى قرارات غير فعالة في مواجهة هذه القضية الوطنية.

وكذلك يُطرح أحيانًا في اللقاءات الرسمية أن الإحلال ليس حلاً مستدامًا، والحل يكمن في نمو الاقتصاد لاستيعاب أعداد الباحثين عن عمل. لكن الواقع يثبت أن هذا الرهان ليس كافيًا، لأن معظم الفرص المستحدثة تذهب للوافدين ما لم تتغير سياسات التوظيف. فمن غير المنطقي أن نظل ننتظر نمواً اقتصادياً قد لا يتحقق قريباً، بينما توجد وظائف يشغلها وافدون يمكن أن يشغلها عمانيون أكفاء. الأرقام خير دليل على ذلك، إذ يتزايد عدد الوافدين سنويًا، رغم أن الوضع الاقتصادي يشهد ثباتًا نسبيًا، فما بالك إذا حدث نمو اقتصادي حقيقي؟ فهل ستكون الوظائف الجديدة موجهة للعمانيين، أم ستذهب للوافدين؟

ولهذا لا يمكن اعتبار الإحلال مجرد خيار نتجاوزه، بل هو ضرورة اقتصادية واجتماعية لضمان استقرار المجتمع العماني. فقد استثمرت الدولة في تعليم وتدريب الشباب العماني، ومن البديهي أن تكون الأولوية لهم في فرص العمل، خاصة في الوظائف التي يمكن للعمانيين تأديتها بكفاءة. ولا يخفى على أحد أن استمرار الاعتماد على الوافدين يؤدي إلى تحويل مليارات الريالات سنويًا للخارج، مما يمثل استنزافًا كبيرًا للاقتصاد الوطني. لذا، فإن إحلال الكوادر الوطنية في هذه الوظائف لا يعالج فقط مشكلة البطالة، بل يعزز الدورة الاقتصادية المحلية، ويضمن بقاء جزء من هذه الأموال داخل السلطنة، مما يساهم في تحفيز الأسواق وخلق فرص جديدة.

مما لا شك فيه، تجنبًا للانتقادات، يحرص بعض المسؤولين على عدم التركيز على الإحلال، وكأن إعطاء الأولوية للمواطن أمر غير مبرر. لكن الحقيقة هي أن تفضيل المواطن في التوظيف ليس عنصرية، بل سياسة وطنية متبعة في معظم دول العالم.

أيضًا، في العديد من الدول، هناك قوانين واضحة تمنح مواطنيها الأولوية المطلقة في الوظائف، وهو أمر طبيعي لحماية الاقتصاد الوطني وضمان استقرار المجتمع، ويجب عدم اعتبار الأمر عنصرية عندما يتعلق بحماية حقوق المواطنين في وطنهم.

وهذا لا يعني أن التركيز على الإحلال هو إقصاء الوافدين، بل هو حق مشروع للمواطن العماني، وبدون شك هو في صدارة أولويات السياسات الحكومية. فالمواطن هو الأساس في بناء الدولة واستمرارها، وعلينا العمل وفق هذا المبدأ دون تردد.

وفي واقع الأمر، إن الحل لا يكمن في تقديم أرقام مخففة للمشكلة أو التقليل من أهمية الإحلال، بل في وضع سياسات واضحة تجعل توظيف العمانيين أولوية حقيقية، مع ربط النمو الاقتصادي بفرص عمل مضمونة للمواطنين. ولا بد أن يكون هناك نهج جديد وشجاع يعيد صياغة سوق العمل بحيث تكون الأولوية في جميع الوظائف – الحكومية والخاصة – للعمانيين، إلا في الحالات التي لا تتوفر فيها الكفاءات المحلية، مع وضع خطط تدريب وتأهيل لسد هذه الفجوات.

ختامًا، يجدر بالذكر أن الأولوية للمواطن ليست عنصرية، بل حق مشروع لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الوطن الغالي.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights