الأربعاء: 26 مارس 2025م - العدد رقم 2501
Adsense
مقالات صحفية

رمضان يرحل وقلوبنا تتذكر الأحباب

جمال بن سالم المعولي

في مشهد روحاني يتكرر كل عام، نقترب شيئًا فشيئًا من نهاية شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي يحمل في طياته نفحات الإيمان والبركة والرحمة؛ ومع انقضاء أيامه الأخيرة، تغمرنا مشاعر مختلطة تجمع بين فرحة الطاعة وحزن الفراق. فوداع هذا الشهر الكريم هو وداع لمحطة عظيمة من محطات التقرب إلى الله، ودعوة للتفكر في حياتنا وما مررنا به، وللوقوف عند ذكريات من فقدناهم الذين كانوا يومًا ما يشاركونا هذه الأجواء الإيمانية.

رمضان ليس مجرد أيام نصوم فيها عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة لتزكية النفس والتقرب إلى الله، وفرصة لتذكر نعمه التي لا تعد ولا تحصى؛ إنه رحلة عبور قصيرة إلى عالم من الصفاء الروحي والتجرد من هموم الدنيا؛ ومع اقتراب نهايته، تلوح في الأفق تلك الذكريات التي تملأ قلوبنا بالشوق والحزن لمن رحلوا عن دنيانا، وأولئك الذين كانوا يومًا ما جزءًا من مائدتنا الرمضانية، وضحكاتهم تضفي على ليالينا رونقًا خاصًا.

فعندما ننظر إلى الأماكن الفارغة على مائدة الإفطار، نتذكر أحبتنا الذين فقدناهم؛ كم كانت الحياة مليئة بالفرح بوجودهم بيننا، وكم أصبح الشوق لهم اليوم يثقل قلوبنا ونشتاق إلى كلماتهم وضحكاتهم، إلى لحظات الدعاء الجماعي والتأمل بعد الإفطار، وإلى تلك النظرات التي تحمل في طياتها كل معاني الحب والاطمئنان.

ولكن الفقد جزء من طبيعة الدنيا؛ قال الله تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ” (سورة آل عمران: 185)، فالحياة لا تدوم، وكلها محطات وعبور؛ ومن هذه المحطات نتعلم أن نقدر اللحظات التي تجمعنا بمن نحب، وأن ندرك أن ما نفقده اليوم هو استدعاء للتفكر والتقرب إلى الله، وللدعاء بالرحمة لهم في كل وقت، لا سيما في هذه الأيام المباركة.

ونسأل الله مع اقتراب هذا الشهر الكريم من نهايته ألا نفقد مزيدًا من الأحباب إلى رمضان القادم؛ وأن يكون رمضان القادم شاهداً جديداً على اجتماعنا مع من نحب تحت سقف المحبة والألفة؛ لكن، ونحن نرفع هذه الدعوات، لا ننسى أن الحياة فانية، وأن دوام الحال من المحال؛ فرمضان يوشك أن ينتهي، لكنه يتركنا مع لحظة تأمل عميقة؛ هذه الدنيا لا تدوم، وكل لحظة فيها هي فرصة للتفكر والعمل الصالح، فقد تكون خسائرنا في الحياة مؤلمة، لكن أعظم ما يمكن أن نفعله هو أن نحول ألم الفقد إلى طاقة للعمل والإنجاز، وإلى دعوات صادقة تصل إلى السماء، فكل رمضان يأتي محملاً بالدروس التي تعلمنا أن اللحظات الجميلة قد لا تتكرر، وأن وجود الأحبة بيننا نعمة لا تقدر بثمن؛ فلنغتنم هذه اللحظات، ولنحتفظ بها كذكرى تحملنا في الأيام الصعبة.

فلنعلم جميعاً أعزائي القراء بأن الحياة مليئة بالدروس والعِبر، ولعل من أجمل ما يذكّرنا به رمضان أن كل ما يمر بنا، سواء من فرح أو حزن، هو فرصة للعودة إلى الله والتفكر في آياته؛ فما بين لقاء وفقد، بين فرح وحزن، تبقى الحقيقة الكبرى أن كل شيء في هذا العالم مؤقت، وما يبقى هو أثر الحب والعطاء والذكريات الجميلة التي تركناها في نفوس الآخرين.

وفي هذه الأيام الأخيرة من شهر رمضان، نحمل أكفنا إلى السماء، ونسأل الله أن يرحم من سبقونا، وأن يجعلهم في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء؛ اللهم اغفر لمن فقدناهم، واجعلهم من المقبولين في شهرك الكريم، واسقهم من حوض نبيك شربة لا يظمأون بعدها أبدًا؛ اللهم اجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، واجمعنا بهم في دار كرامتك.

كما نسأل الله لأنفسنا أن يمد أعمارنا في طاعته، وأن يرزقنا أعوامًا عديدة وشهور رمضان قادمة لا فاقدين ولا مفقودين، اللهم اجعلنا من عتقاء شهرك الكريم، وأعد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة ونحن بصحة وعافية ومن نحب حولنا.

ولنتذكر دائمًا أن الله هو الملجأ والغاية، وأن كل ما نفقده في الدنيا، قد نجده في الآخرة بأبهى صورة؛ فاللهم اجعل ختام رمضان لنا طاعة ومغفرة، ولا تدع لنا فيه ذنبًا إلا غفرته، واجعلنا من المقبولين عندك؛ اللهم اجمعنا في دار كرامتك مع من أحببنا .

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights