ريشة تغلب ثوراً ..

عادل بن حميد بن عبدالله الجامعي
قرأت مرة عبارة سطرت على أحد الجدران “ريشة تغلب ثوراً”؛ فما معنى هذه العبارة الغريبة؟ وهل فيها من الحكمة والمعاني الغائرة ما يسد جوعي؟ وماذا كان في خلج وخلد كاتبها؟! إنَّ النظر في هذه العبارة يُشبه النظر في السراب، فإذا ما دقَّقنا وأمعنا النظر وجدنا فيه حكمة بالغة! لنرى ماذا قد تكون؟!
إنَّ الريشة، بضعفها ورقتها، تُعتبر رمزاً للضعف والهشاشة، في حين أنَّ الثور يُعتبر رمزاً للقوة والشدة. فكيف يمكن للريشة أن تغلب الثور؟ إنَّ في هذا إشارة إلى قوة العزيمة والفكر، وأن الضعف الظاهر قد يخفي وراءه قوة خفية تفوق كل تصور! لقد رأينا عبر التاريخ كيف أنَّ الأفكار والكلمات، وهي مجرد ريشات في عالم المادة، قد غلبت أعظم الجيوش وأقوى الطغاة.
في فكرة ريشة تغلب ثوراً تتجلى لنا حكمة الباري عز وجل، الذي جعل من الضعف قوة، ومن الهشاشة صلابة. ففي قصة سيدنا داوود عليه السلام، وجالوت، كان داوود مجرد شاب مغمور يحمل مقلاعاً، بينما كان جالوت عملاقاً محارباً مدججاً بالسلاح. -فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء – فبقوة الإيمان والإرادة، غلب داوود جالوت، وكانت الريشة هي الكلمة، والمقلاع هو الفكرة. وفي ذلك تذكير لنا نحن البشر، أن لا نستخف بأي ضعف قد نراه في أنفسنا أو في الآخرين، فقد يكون في هذا الضعف قوة خفية لما تظهر بعد. وأن نتذكر دائماً أن الحكمة ليست في القوة الظاهرة، إنما في القدرة على تحويل الضعف إلى قوة، والهشاشة إلى صلابة. كمثل تحول المرض إلى نعمة المرض.
عزيزي، أيها القارئ الملهم، عزيزتي الملهمة القارئة:
ألا ترى أنَّ العظماء عبر التاريخ لم يكونوا بالضرورة أقوى الناس جسدياً، ولكن كانت لديهم قلوبٌ عظيمة، وأرواحٌ لا تنكسر. فكلماتهم وأفكارهم كانت ريــــــــــــــشات، ولكنها رغم أنها كذلك فقد غلبت أثقل الثيران وأشدها، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه.. بهذا جادل غلامٌ خليفةً وغلبه!
فلنكن كريشة تسبح في بحر الريح، نتحرك برشاقة وخفة، ولكن لدينا القوة الكامنة التي تغلب الثور. ولنستمد قوتنا من الإيمان والعزيمة، ولنتعلم أن في كل ضعف قوة، وفي كل هزيمة نصرٌ مستتر. نسأل الله تعالى أن يُلهمنا الحكمة والبصيرة، وأن يجعلنا من الذين يرون بنور الإيمان، ويتدبرون في آياته وحكمته، والحمد لله رب العالمين.
اللهم نسألك النصر المؤزر لكل المجاهدين في سبيلك، وحرر اللهم أقصانا وافتح لنا فتوح العارفين. آمين