الليمون المجفف والمعنى الضائع
سهام سالم
يفاجئني الليمون كما تفاجئني كل الأشياء حين تطرق باب قلبي لأفتح لها الباب وأكتب، وأنا هناك أو هنا أمسك قلمي وأتأهب لأي شيء مختلف، أخطف منه ضوءه وأكتب.
إن يداها متعبتين، فقد ظلت طوال الأسبوع تشكي ألما في مفاصل اصبعيها السبابة والإبهام بالتحديد، إنهما لا تتوقفان عن تقشير حبات الليمون المجفف ثم تقوم بتخزينها في أكياس أو علب صغيرة، علب وأكياس محشوة بالليمون المجفف الأسود، مقشرا وجاهزا للإستخدام الفوري، يصل إلى البيوت جاهزا دون أن نضطر لارهاق أيدينا كل مرة.
تجادلها بناتها في كل مرة تشكي فيه ألما أن هذه الآلام فائضة عن الحاجة ويمكن الإستغناء عنها دائما، فلا أحد سيموت إن لم يصله ليمونا مجففا، ثم إن الأسواق تضجُّ بالليمون المجفف، ولن تطول أصابعها إن كفّت عن العمل، ولكنها لا تسمع إلا صوت أصابعها هي، صوت الحياة التي تشعر بها هي، تكاد تسمع أناملها تصرخ وتستغيث أنها تريد مزيدا من الليمون المجفف لتقوم بتقشيره كما تفعل في كل مرة تشعر فيها بالملل الفادح الذي ينتشر رويدا رويدا في زوايا البيت حين يخرج الجميع للعمل حتى يطغى على كل شيء أمام عيناها الهادئتين.
ولكنها لا تشتكي، ولا تفعل شيئا خارجا عن المألوف، ورغم هذا فهي تصيبني بالهلع، لأنها تفعل كما أفعل حين أجدني محاطة بأربعة جدران لا تتحدث، فأحاول الحديث مع الأشياء حتى أصل إلى المكتبة ثم أحارب ألما دائما ما أشكوه، ليس ألم الجهل أبدا هو ما نحارب حين نعلم، إنه ألم المعرفة. لماذا على الليمون المجفف أن يثير كل هذه الأسئلة؟