2024
Adsense
مقالات صحفية

إلى الفردوس الأعلى أمي الغالية

خليفة بن سليمان المياحي

حينما نفارق من نحبهم أو يفارقوننا في هذه الحياة الدنيا من موقع لآخر؛ نأسف عليهم كثيراً ونتحسر على العشرة التي قضيناها معهم وعلى كل المواقف الجميلة التي جمعتنا بهم، ولا نستطيع إخفاء علامات الحزن والأسى لأنهم سيكونون بعيدين عنا، مع أنه في الحقيقة يعد بعداً زمنياً ومحدداً، ولا يستحيل اللقاء بهم، فعند الضرورة الملحة فالوصول إليهم ممكناً في أي وقت نشاء؛ بل يمكن التواصل معهم يومياً وبالصورة الحية إن أردنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك يبقى أثر البعد والاشتياق والحنين إليهم ملازماً لنا في كل حين، هذا ونحن أحياء في هذه الحياة، والعلاقة بمن فارقناهم تكون أما مع زميل دراسة أو زميل عمل أو جار أو صديق الطفولة أو معرفة جرت بيننا لأي سبب من الأسباب؛ فكيف يا ترى سيكون الحال عندما يكون الفقد أبدياً، ومع أم هي الأقرب إلى القلب بكل ما تعنيه الكلمة! لا شك أن الخبر سيكون صادماً ومؤلماً، وعذابات الفراق سيخفق لها القلب كمداً وألماً.

لقد فقدنا أمي الغالية
مساء يوم الأربعاء، الموافق ١٨ من ديسمبر من العام الحالي ٢٠٢٤م، وقد أوجعني فراقها وأثر في نفسي ونفسيتي، وأحدث لي ولأسرتي فراقها-رحمة الله عليها- ألماً موجعاً، وأبقى جرحاً غائراً لا نستطيع تجاوزه بسهولة وإن مضت الأيام والسنون، لقد كنت بجنب أمي وهي تحتضر حتى رأيتها وقد لفضت أنفاسها الأخيرة، خرجت روحها الطاهرة البريئة بهدوء وسلام، فقد لطف بها المولى جلت قدرته فانسلت روحها بخفة في مشهد لا يمكنني نسيانه.

الموت حق والنهاية حتمية لكل إنسان، والتسليم والرضا بالقضاء والقدر واجب ولا نحيد عنه؛ لكن أن ترى من يعز عليك فراقه وغالياً على القلب وفي مراحل حياته الأخيرة يودع الدنيا وأنت عاجز لا تستطيع أن تفعل شيء لتحفظ له حياته؛ فذلك أمر في غاية الصعوبة، ويزيدك حرقة عليه وتأسفاً له؛لهذا فإن المشهد أكبر بكثير من أستطيع وصفه.

لقد انسكبت الدموع وبانت العبرات وبكى الرجال والنساء عليها؛ بل بكى عليها كل من عرفها، وقد كانت أحزانهم ظاهرة على وجوههم منذ أن كانت على فراشها بعد أن ألم بها المرض وأصبحت ملازمة للفراش، فكنت أرى من يخرج من عندها بعد زيارتها يقاوم نفسه من أن تنساح الدموع من عينيه، بل وأجده يتلعثم حتى في الحديث عنها؛ فالحرقة والوجم يظهران عليه عندما يذكرها.

كانت أمي؛ أمّ رؤوماً حنوناً لكل أحد بلا استثناء، كبيراً كان أو صغيراً، امرأة كانت أو طفلا، وكانت رحمها الله تجمع الصفات الجميلة والمزايا الحسنة،

وعندما كانت أمي بكامل صحتها رغم كبر سنها كثيراً ما تتواصل وتزور أي أحد، سواء كان من أفراد عائلتنا أو من تعرفهم، وإن سمعت عن أحد يعاني من وعكة صحية أو سافر إلى مكان ما فلا يهدأ لها بال ولا ترتاح نفسها إلا أن تتصل به وتسمع أخباره وتطمئن لصحته إن كان مريضاً، وعن عودته إن كان مسافرا.

كانت أمي تغمدها الله بواسع رحمته كريمة في فعالها، كريمة في خصالها، كريمة ولطيفة في تعاملها، وكانت لا تبخل بكل ما في يدها، وكم من الصفات والمزايا الحسنة التي تحلت واتصفت، ولا يمكنني تذكرها، فمن صفاتها أنها كانت تعيش لحظات جميلة عندما تجد نفسها قد أفرحت طفلاً أو زارت مريضاً أو وصلت رحماً أو أحد معارفها.

وعند فرحة الناس بعيدي الفطر والعيد الأضحى، لم ولن تكمل سعادة أمي إلا بعد أن ترى الفرحة في عيون الأطفال، وبعد أن تقوم بتوزيع العيدية لهم؛ ستجد وجهها يتهلل فرحاً وسرورا.

أمي الغالية كانت تحب جميع الناس، وتحب لهم الخير، وتدعو لهم بالخير.

كنت وأخواتي، وكل من عاش معها في بيتها أقرب الناس إلى قلبها، وكانت تخاف علينا حتى ونحن كباراً؛ فلا يذهب أحدنا إلى مكان إلا وتريد أن تعرف إن كان قد وصل لوجهته، وكانت لا تنام الليل إلا بعد أن تتصل لتعلم أننا عدنا من سفرنا، وهكذا معاملتها مع كل من تعرفه.

إن وفاة أمي لخطب جلل، وإن فراقها صعب علينا، ولكننا نؤمن أن الله وعد الصابرين بالأجر العظيم، وبالثناء الجزيل.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

تغمدها الله بواسع رحمته، ومنَّ عليها بالرضا والقبول، وأدخلها فسيح جناته، وجمعنا الله بها في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights