بين قسوة التجاهل وشغف الإبداع حكاية كاتب مبتدئ
حمدان بن هاشل العدوي
عضو الجمعية العمانية للكتاب والأدباء
في عالم الكتابة والإبداع، يقف المبتدئ على أعتاب الحلم، يحمل بين يديه مسودة قصصه وأفكاره، ويمضي بروح ملؤها الأمل، منتظراً ذلك اليوم الذي يعترف به أحدهم بموهبته، أو يتلقى كلمة تشجيع تحفزه للمضي قدمًا، إنه شعور غريب، ذلك المزيج من الأمل والإحباط، عندما يمد الكاتب يده منتظرًا أن يمسك به أحد المثقفين الذين نالتهم الشهرة والاعتراف.
لقد عشت هذه التجربة، وترددت مرارًا في الكتابة أو محاولة التواصل مع أولئك الذين أعتبرهم قدوة، كنت أعتقد أنني أفتقر إلى شيء، أنني المخطئ في سعيي، وأنني ربما لم أكن جاهزًا بما يكفي لأُظهر لهم إبداعي، ولكن مع مرور الوقت، ومع كل رسالة لم يتم الرد عليها، ومع كل اتصال تجاهلوه، بدأت أفقد الثقة في تلك الفئة من الناس الذين لا يلتفتون إلا لمحيطهم الضيق.
ليس المؤلم في التجاهل ذاته، بل في تلك اللحظات التي تشعر فيها بأنك غير مرئي، وكأن ما تحمله من أفكار وإبداع لا يستحق أن يلتفت إليه أحد، لكن من الغريب أن هذا التجاهل قد يكون المحرك الأساسي للكتابة، فالشغف الداخلي، وحب الكتابة بحد ذاته، هو الذي يستمر في دفعك للكتابة حتى في أحلك اللحظات.
إنه درس قاسٍ، لكن مهم: لا تنتظر الاعتراف من الآخرين، الكتابة هي شكل من أشكال الحرية الشخصية، وهي انعكاس لما نحمله في داخلنا من مشاعر وأفكار، إذا انتظرت من الآخرين أن يؤكدوا لك ما تعرفه في قرارة نفسك، قد تضيع وقتًا ثمينًا، لذا، اكتب لنفسك أولاً، اكتب لأن الكتابة هي الوسيلة التي تعبر بها عن نفسك، ولا تجعل تجاهل الآخرين يعوقك عن السير في طريق الإبداع.
النجاح في عالم الكتابة ليس مرهونًا بموافقة الآخرين أو اهتمامهم، بل هو مرهون بشغفك واستمراريتك، وفي النهاية، سيأتي اليوم الذي سيقرأ فيه أحدهم كلماتك ويشعر بما شعرت به عندما كتبتها، وسيعرف أن وراءها روحًا شغوفة، حاولت مرارًا أن تجد لها مكانًا بين عمالقة الأدب.
الغريب في الأمر أن بعضًا من هؤلاء المثقفين، الذين نقرأ لهم ونعجب بأعمالهم، قد عاشوا هم أنفسهم نفس التجربة في بداياتهم، ولعلهم كانوا يومًا بحاجة لمن يُؤمن بهم أو يمد لهم يد العون، لكن يبدو أن النجاح قد غيّر فيهم الكثير، أو ربما أغلقوا أعينهم عن رؤية الإبداع في الآخرين
لكن في خضم هذا التجاهل، يتولد درس مهم: الكتابة ليست مجرد وسيلة للفت الأنظار أو لنيل الاعتراف، بل هي انعكاس لروح الكاتب وإبداعه الشخصي، الكتابة تعكس تجربة الإنسان وعواطفه، وهي في جوهرها تعبير عن الحياة، وإذا كان هدف الكاتب فقط هو الاعتراف أو الشهرة، فهو بذلك يفقد جزءًا كبيرًا من معاني الكتابة الحقيقية.
المبدع الحقيقي يعرف أن الإبداع هو رحلة مستمرة، رحلة قد لا يعترف بها العالم في بداياتها، ولكن الأهم أن يسير فيها بصدق، فكم من كاتب أو شاعر لم تنل أعماله الإعجاب في حياته، ولكنها أثرت في الأجيال بعد رحيله، النجاح ليس لحظة عابرة ولا اعترافًا سريعًا من الآخرين، بل هو حصيلة مسار طويل من الجهد والالتزام.
لذلك، حين يُقفل في وجهك باب، لا تتوقف عن المحاولة، فالنجاح لا يأتي إلا لأولئك الذين لا يتخلون عن أحلامهم بسهولة، حاول أن تنظر إلى كل تجربة تجاهل أو فشل كفرصة لتطوير ذاتك وصقل مهاراتك، في كل مرة تتعثر فيها، ستكتشف المزيد عن نفسك ككاتب وعن قصتك التي تريد أن تحكيها للعالم.
في نهاية المطاف، ستجد أن الإبداع هو الذي يمدك بالقوة، وليس الاعتراف الخارجي، الكتابة هي مساحة حرية شخصية لا تعترف بالحدود أو القيود التي يفرضها الآخرون، اكتب لأنك تحب الكتابة، وليس لأنك تنتظر تقديرًا، وعندما يأتي اليوم الذي يلتفت فيه أحدهم إلى ما كتبت، ستدرك أن الرحلة كانت تستحق، وستكون أكثر تقديرًا للنجاح الذي حققته بجهودك الذاتية.