الأربعاء: 09 أبريل 2025م - العدد رقم 2515
Adsense
قصص وروايات

أتظن أنهُ سينجو؟

مريم بنت عيسى البلوشية

له ربٌ رحيم وبحاله عليم!!

“سامر” فتى مغامر، يعيش في قرية نائية، تختلط فيها نسائم الورد الندية مع الهواء لتنتج عطراً بارداً يجمل الأجواء، وله كوخ صغير مصنوع من الأغصان الصلبة، تتشابك معا بقوة؛ مكونة غرفة صغيرة يرتمي فيها نهاية يومه، فيسطر على جدرانها ذكرياته وصدفه الجميلة، ويرسم حلمه على لوحة خشبية مزينة بأوراق الليمون وزهور الياسمين، وضع يده أسفل وسادته ليخرج تلك الصورة التي دائماً ما يتأملها كل ليلة، تلك الجبال الشاهقة التي تقع نهاية قريته الجبلية، وذاك الممر الصخري الذي يتمنى أن يعبره في يوم من الأيام، فحلمه الذي صار يصفر كل لحظة في أذنه -كصفارات الإنذار المزعجة- هو أن يتسلق ذاك الجبل الشاهق ويصل إلى القمة؛ ليغرز علم بلاده على تلك الأرض البعيدة، ليرى الجميع علم بلاده وهو يرفرف من بعيد.

جاء اليوم الموعود، لا أحد في الديار موجود، الكل مشغول وبعمله موصول، جاءت الفرصة الذهبية ل”سامر”، وها هو يغادر بخطوات خفيفة مختلطة ببعض من مشاعر الخوف واللهفة، يسير ببطئ وعينيه تحلقان نحو تلك القمة التي شغلت فكره وأسرت أحلامه.

ألتقط حقيبةَ ظهرٍ قديمة ووضع فيها قنينة ماء وبعضاً من القوت المتبقي لرحلته المنتظرة.

سار “سامر” على الدرب وهو يمتطي الفرح والشغف يُراقب مساره ويدندن وكأنما يعيش أكبر انتصاراته؛ لكنه لا يدرك المخاطر التي قد تعرقل طريقه والمشقة التي قد تسرق بعضاً من قوته وحماسه.

الوقت يمر، وتلك الوجهة كانت تبدو قريبة لكنها في الحقيقة بعيدة. بدأ التعب يعتري جسده الضعيف، لكن هذا الأمر لم يثبط عزيمته؛ بل استمر في السير بنعليهِ اللتان بدأتا تنهاران من قسوة الطريق ووعورته.

جلس “سامر” قليلاً على صخرة كبيرة لكي يستريح، وسرعان ما عاد بعدها لطريقه. ترك تلك الصخرة الضخمة بعدما كتب عليها بعض الأرقام والحروف وبعض الرسومات العشوائية التي تعبر عن حالته، وكل ذلك بقطع من الفحم الصلب التي وجدها على الطريق. ويمتد طريقه على مد البصر وقد تجرع الكثير من المرارة، وها قد اقترب الحلم منه بعد أربع ساعات متواصلة من المشي؛ ليجد أمامه جبل شاهق تُزينهُ أنواعٌ مختلفة من الصخور والسحاب من جانب آخر، تُداعب القمة في منظر ملحمي فاخر.

كيف لهُ أن يصل إلى هناك؟

إنها مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة على هذا الفتى البطل.

بدأ “سامر” يتسلق الجبل بتأنٍ وهدوء دون النظر إلى الأسفل لكي لا يشعر بالفزع فتتملكه نوبات من التخيلات السوداء. وأخذ يخاطب نفسه؛ “سأستمر للمضي نحو القمة ولن أنظر للوراء”. هكذا تمتم وهو يحاول الوصول إلى أبعد نقطة، وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان!

انزلقت قدمه على إحدى الصخور الوهنة والمتحطة ليتعلق في الهواء متشبثاً بقوة بصخرة عملاقة بكلتا يديه، فيا ترى هل سينجو؟ هل سيحقق حلمه؟

نعم، نيقن حقاً؛ أنّ له رب رحيم وبحاله عليم.

لقد تحركت للأسف الصخرة العملاقة ليجد نفسه يطير في السماء وهو مغمضاً عينيه ويصيح “أريد أمي، ساعدوني”. ويا لرحمة القدير فتح “سامر” عينيه وهو فرح لأنه ما زال على قيد الحياة، ولكن حياته مُعلقةٌ على غصن شجرة أمسكت بحافة قميصه لترسم له أملاً جديداً.

خلّص “سامر” نفسه بطريقة ذكية، وعاد يسعى نحو القمة وهو مرتعب ومسرور، ووصل للقمة وصنع مجداً رائعاً يحمل اسمه في السماء، وأعلن لنفسه تاريخاً جديداً، وخلّد حلم طفولته على تلك الصخور وكسر القيود، وارتمى هناك ساجداً مسروراً، ونصب لهُ معلماً يروي حكايته البطولية وجلس يناظر من بعيد.

فعلاً كم هو جميل شعور الوصول إلى القمم، جميل أن تتقدم؛ بل ممتع جداً هو المنظر من الأعلى!

فلنكن “سامريين” بأحلامنا، ولنصنع لنا مكاناً في القمة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights