ضريبة الدخل على الأفراد والاقتصاد الوطني
سليمان بن حمد العامري
فرض الضرائب بشتى أنواعها يعد خطوة نحو تحقيق اقتصاد مستدام في دول العالم، وتُعًَدْ من أبرز الأدوات المالية التي تلجأ إليها الحكومات لتعزيز استدامة الاقتصاد؛ وذلك من خلال تنويع مصادر الدخل الوطني في ظل تحديات اقتصادية عالمية تفرض على الدول إعادة النظر في هيكلة مواردها المالية، خاصة تلك الدول التي تعتمد بشكل رئيسي على العائدات غير المستقرة؛ مثل النفط والغاز. ومع توجه العديد من الدول لاعتماد مثل هذه الإجراءات، حيث أثيرت الكثير من التساؤلات حول نية سلطنة عُمان في فرض ضريبة الدخل على الأفراد؛ وذلك استكمالاً للمنظومة الضريبية في الدولة، والتي ابتدأت بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وقبلها ضريبة الدخل على الشركات، والضريبة الانتقائية على بعض السلع، ولا شك بأن تعزيز تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان توزيع عادل للأعباء المالية بين مختلف شرائح المجتمع يعد أولوية وأهدافاً عليا تسعى الحكومة لتحقيقها من خلال فرض ضريبة الدخل على الأفراد.
وجدير بالذكر، رغم الانتقادات التي تطال ضريبة الدخل على الأفراد، فإن التجارب الدولية أثبتت قدرتها على تحسين الشفافية المالية ودعم الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل؛ إلا أن بعض الأصوات ترى أن هذه الضريبة قد تستهدف بالأساس معالجة مشكلة التهرب الضريبي فقط دون وجود أهداف أخرى سامية تسعى إلى تحقيقها، وهو ما يحتاج إلى توضيح. حيث يعتبر التهرب الضريبي ظاهرة عالمية تواجهها جميع الأنظمة المالية بدول العالم، ولا يمكن لضريبة الدخل أن تكون الحل الوحيد لمعالجتها؛ بل تُعد جزءًا من حزمة أوسع تشمل تحسين التشريعات، وتعزيز الرقابة المالية، وتطوير آليات محاسبة فعّالة. في المقابل، يُسهم فرض ضريبة الدخل على الأفراد في بناء منظومة أكثر شفافية؛ حيث توفر بيانات متكاملة تعكس صورة دقيقة عن الأنشطة الاقتصادية للأفراد والشركات على حد سواء؛ ما يجعل من السهل تتبع الممارسات المخالفة وتقليل الفجوات في الإيرادات العامة.
وحري بنا التطرق إلى تخوف بعضهم من أن يؤدي فرض ضريبة الدخل على الأفراد إلى تحايل الأثرياء من خلال تحويل أموالهم إلى الخارج أو الإقامة في دول أخرى. ورغم أن هذه المخاوف تبدو مبررة للوهلة الأولى؛ إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك. تشير البيانات الاقتصادية الصادرة من البنك المركزي إلى ارتفاع ودائع البنوك المحلية واستمرار تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى سلطنة عُمان، وهذا بدوره يعكس الثقة المستمرة في الاقتصاد الوطني. كما أن تكلفة الإقامة خارج البلاد ليست خيارًا متاحًا للجميع نظرًا للتكاليف المرتفعة المرتبطة بها، إضافة إلى القوانين والاتفاقيات الدولية التي تُقيد حركة رؤوس الأموال وتضع ضوابط صارمة على التهرب الضريبي العابر للحدود.
وفي نفس الصدد المتعلق بتنافسية الدولة في جذب الاستثمارات، يرى بعضهم أن فرض ضريبة الدخل على الأفراد يُضعف من بيئة الأعمال وينفر المستثمرين؛ إلا أن الدراسات تؤكد أن وجود نظام ضريبي واضح ومدروس يُعزز من ثقة المستثمرين عبر خلق بيئة اقتصادية مستقرة تخدم التخطيط المالي طويل الأمد، وعلى النقيض، فإن تأخير القرارات الضريبية أو غيابها قد يخلق ضبابية تعيق تدفق الاستثمارات، حيث يبحث المستثمرون دائمًا عن استقرار في السياسات المالية.
ومن زاوية أخرى، تثار مخاوف حول تأثير الضريبة على الطبقة الوسطى، إلا أن الحقائق تشير إلى أن هذه الضريبة تستهدف فقط أصحاب الدخول المرتفعة الذين يشكلون نسبة صغيرة من السكان، فالسياسات الحالية بمشروع القانون، وحسب التصريحات الرسمية لوزير المالية الموقر، سيتم فرض الضريبة على من تزيد دخولهم على 30 ألف ريال عُماني سنويًا، وهي شريحة تُعد الأكثر قدرة على تحمل الأعباء المالية ولن تطال اصحاب الدخل المتوسط أو المحدود، وفي الوقت ذاته، يمكن للحكومة اتخاذ تدابير داعمة لحماية الطبقة الوسطى، من خلال تقديم إعفاءات أو برامج دعم إضافية لتخفيف أي آثار غير مباشرة قد تنشأ عن تطبيق الضريبة.
ولذلك يجب الأخذ في الحسبان أن فرض ضريبة الدخل على الأفراد يُعد خطوة ضرورية لتعزيز قدرة الاقتصاد على التكيف مع التقلبات العالمية في الاقتصاد العالمي، فإلى جانب تقليل الاعتماد على العائدات النفطية، توفر هذه الضريبة موارد إضافية يمكن استثمارها في تحسين الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية، ودعم برامج الحماية الاجتماعية التي تُسهم في رفع مستوى معيشة المواطنين.
ولا يسعني في الختام إلا القول؛ بأن نجاح هذا التحول يعتمد على شراكة حقيقية بين الحكومة والمجتمع وتتطلب وضوحًا في السياسات وشفافية في التنفيذ، إلى جانب وعي مجتمعي يعزز من تقبل هذه الخطوة بوصفها جزءًا من المسؤولية المشتركة نحو بناء مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا وعدالة؛ وعليه يجب علينا جميعاً الإقتناع بأن ضريبة الدخل على الأفراد ليست مجرد عبء ماليا؛ بل هي استثمار في مستقبل الأجيال القادمة، ودعامة أساسية لتحقيق اقتصاد مستدام يوازن بين الحقوق والواجبات.