من عجائب النحل
ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي
ابتسم اليراع وانبسط الورق، وبقت بضع نجمات تعدو في الأفق، والقهوة تثور على النار، ولها عبق وأي عبق. ذهب المساء وعادت أنفاس الصباح بأغاريد الطيور ووجوه الملاح، والجو لطيف في هذا الصباح يدعو النفس للكد والكفاح.
وينشر عبق الشتاء المنعش بعد رحيل لهيب الصيف إلى لقاء آخر؛ فالصيف لا يخلف الميعاد كبعض البشر وإنما يأتي في الوقت المقدر له في كل عام، ولكل فصل خصائصه ومميزاته، فسبحان مدبر الفلك ومكون الأكوان خالق كل شىء بقدر.
سبحان من علم الإنسان ما لم يعلم. أتأمل في عجائب صنع الله في هذا الكون الفسيح، وأرقب من صحن الدار تفتح بعض الورود، وأشتم عبق الياسمين، أرمقُ بعض النحل الذي ينتقل بين الورود ويحلق فوق الرياحين.
أتفكر في دوره الكبير في هذا الوجود وانتظام حركته في هذه الحياة، وأثر التوازن الفطري في الكائنات الحية، والذي يجهله الكثير من البشر، وربما يقول قائل ما الذي يصنعه هذا النحل؟ زاهدًا فيه وفي دوره المؤثر في هذا الكون بأسره.
إن هذا النحل قد خصه الله بسورة عظيمة في القرآن الكريم وهي سورة النحل، فالنحل ليس رمزًا للنشاط والعمل ومنتجًا للعسل الذي فيه الشفاء للناس فحسب، ولو اكتفت قدراته على هاتين الميزتين لكفتا، بل إن دور النحل أكبر بكثير مما يتصور الواحد منا.
فتعالوا نتعرف على بعض خصائص النحل عن كثب، وما هو الدور الذي يقوم به والذي له الأثر البالغ على جميع الكائنات الحية. لا شك أن أهمية النحل للبشرية تكمن في المساعدة على تلقيح النباتات، ونثر البذور، والحفاظ على خصوبة التربة وعلى نمو نباتها، كما تعمل على إحداث التوازن البيئي للكائنات الحية، وتمد الإنسان والحيوان بغذائهما. إن هذه الأهمية البالغة للنحل التي يقف أمامها العقل في حيرة؛ فكيف لهذه الحشرة الصغيرة أن تقوم بهذا الدور الكبير والفاعل في الحياة والبشرية وفي جميع الكائنات الحية إنها قدرة الله جل في علاه!
وهذا مثال واحد وصنفٌ واحدٌ من هذه الحشرات، ولا شك أن هناك الضار منها والنافع، ولن تجد حشرة كالنحلة لها ذلك الأثر والدور في حياة الكائنات الحية بأسرها، حتى في تكوينها الخلقي، وصدق أحكم الحاكمين بقوله: ({وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة النحل: 68-69].صدق الله العظيم.
فالتفكر في خلق النحل وتكوينه ومراحل تصفية العسل وتنقيته وكيفية العمل ليل نهار؛ لهو ارتباط وثيق بين هذه الحشرة التي كرمها الله وخلد ذكرها في القرآن وبين الطبيعة.
فكم من الوقت يستغرق النحل في إنتاج العسل، وكم من المسافات يقطع في رحلته لجني الرحيق وجمعه، وتكاتف جميع النحل في هذا العمل بدأً بالملكة المنتجة للبيض والحاضنات لهذا البيض والشغالات وخط الدفاع عن الخلية أو المملكة، ودور الذكور التي تتنافس في تلقيح الملكة مضحية بحياتها في سبيل ذلك؛ فيموت الذكر الملقح وهو الأسرع لحاقًا بالملكة، والذي قد حظي بشرف اللحاق والتلقيح!! فسبحان من هيأ مخلوقاته لخدمة بعضها بعضا.
أولا تستحق هذه النعم الوفيرة أن نقابلها بالشكر والذكر. اللهم لك الحمد كما نقول وأكثر مما نقول، عدد كل شىء خلقت إلى يوم الأُفول، وحري بنا أن نتفكر في خلقه وعجائب صنعه، ونذكره في جميع الأحوال ونشكره.