هواجس السلطة العربية
عبدالله بن حمدان الفارسي
لقد اطلعت مؤخراً على رسالة عتاب ولوم مبطن شديد الحرارة في شتاء قارس البرودة لإحدى الكاتبات من سورية الجريحة موجهة للرئيس السابق بشار حافظ الأسد.
تلك الرسالة تضمنت عتابا ونصحا منها إليه- بشار الأسد – تشعرك بأن رسالتها فيها نوع من الحب (للرئيس)، وعتاب فيه خالص الندم على ما فرط به، وشعور بانكسار عاطفي أصابها فيه بعد خيبة الأمل المُرة، وبعد الذي أوصل إليه نفسه ووطنه وشعبه من انتكاسة لن تكون لها نهضة على المدى القريب، ولن يعفيه الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه من أنه أحد أسباب التفريط به – الوطن العربي.
هذا التوجيه والإرشاد جاء بعد فوات الأوان، بمعنى بعد خراب مالطة، وهذا دائما ما تسير عليه قواعد الأحداث في الوطن العربي، حيث إن لا أحد باستطاعته توجيه اللوم أو العتب أو النصح لكبير القوم، وماذا لو كان انتقادا ؟! حتما سيكون مصيرك ليس خلف الشمس فذلك أيسر، علما أني لم أخض تجربة ذلك، ولكن الأعسر ستكون ملتصقا بها – الشمس – وهذا لا يحتاج لتجربة أحد فالنتيجة معروفة ومحسومة سلفا.
ليس أفضل من أن تكون محاطا بالصالحين المحسنين، سواء من محيطك الأسري أو من الرفقاء، فإن في ذلك صلاحك وصلاح من حولك ونجاتكم جميعا، لذلك فإن أفضل الأدعية لنفسك أو لولي الأمر الرزق بالبطانة الصالحة التي تعينك وتعينه على الخير والصلاح وتجنب الجميع مغبة الانفراد في الرأي ومهالكه.
لا يمكن لأي إنسان أن يرى العالم بمنظوره الشخصي، ليلامس الواقع بكل شفافية ويحدد احتياجات المستقبل، فلا بد من الاستعانة بذوي الرأي السديد والرشداء من حوله إذا ما أراد النجاح والفلاح له ولغيره، وذلك باتخاذ منهج الاستشارة والشورى، قال تعالى: ( وأمرهم شورى بينهم ) سورة الشورى من الآية (38) خلاصة القول ليس عيب أو نقص في الإنسان إذا ما أدرك ووقف على قدراته المختلفة واستعان بالثقات على إعانته، فقد قال سيدنا موسى- عليه السلام- مخاطبا جل جلالة: وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) [سورة طه].
ولكن واقعنا العربي من ناحية المنصب السلطوي، لا أجده إلا ويرفض أن يتماشى ويتعايش مع أهمية الشورى، متخذا الشورى واجهة لكماليات سلطتة فقط لا أكثر، بوجود عدد هائل من المستشارين، لا هَم لهم سوى إصابة البطون بالتخم، وإغراق الوطن بالدين والهم، عدا ذلك هم أقرب للصمت وتكميم الفم.
لم تتجرأ كاتبة المقال كالكثيرين من أمثالها، أن توجه نصيحتها والأسد على سدة الحكم، خوفا وهلعا من أن يصيبها ما أصاب غيرها من قومها، ومع ذلك أستشف في مقالها أنها ربما تجلد ذاتها ألماً وحسرة على ما فرطت به من عدم النصح له -الرئيس- في ذلك الوقت لعله يستمع لها وجنبت بذلك ليس بلدها فحسب بل الأمة آلام الضياع والقهر.
الآن لا ينفع ندم ولا دموع، هكذا هو حال من على شاكلة بشار الأسد (أَسَدٌ عليّ وفي الحروب نعامة) ففي نهاية المطاف وحين يحمى الوطيس، (الفرار من الخطر نصف الرجولة) هذا هو ديدن الجبناء، والشعوب دائما تكون ضحية هذه المواقف، ونتيجة للعقلية ذات الثقافة التي لا تقبل الوسطية، إما نعامة رأسها في التراب أو وحش كاسر لا يبقي ولايذر – المواطن العربي- الحقد يملأ قلبه ويعمي بصيرته وحب الانتقام المبطن من زبانية الحاكم الهارب، تظهر عليه بانفعالات وتصرفات هي في واقع الحال بعيدة عن الأخلاق والآداب والإنسانية، وتبدأ بعد الانهيار والفرار بتدمير مقدرات ومدخرات الوطن، حتى ممتلكاته الشخصية لا تسلم منه وتكثر حينها النعرات الطائفية والحزبية، ويزداد التناحر فيما بينهم، وهُمْ أنفسهم من كانوا بالأمس في أثناء حكم الطواغيت يناشدون بالعدل والمساواة والمطالبة بالحقوق المفقودة أيام سيطرة النظام، وبعدما تتاح لهم فرصة التفاوض للتعاضد وتوطيد علاقة الأخوة وبناء وطن يضم كافة الطوائف والأحزاب وتوزع فيه خيراته بالتساوي بين الجميع، تجدهم إخوة الأمس أعداء اليوم هكذا هو حالنا نحن العرب.
علما بأن محبة الشعوب لحكامها ليست بالأمر المستعصي، خاصة الشعوب العربية المغلوب على أمرها، كل ما يحتاجه الأمر القليل من تحسين الأوضاع بزيادة الدخل، وإلغاء الضرائب أو تخفيضها للحد الأدنى، والأمان الوظيفي والتمكين، والاستقرار المعيشي العام، وكل ما ذكرت المطلوب هو الحد الأدنى منه فقط وأن يكون الثبات على هذه الاحتياجات ضرورة ملحة.
الآن يا سيدتي عتابك لا يجدي نفعا، بما أن الطيور قد كونت لها أعشاشاً ليست بآمنة على المدى البعيد، لاعتبارات عدة، ولكنها تحمل صفة المأوى المؤقت حتى يتناسى الشعب ظلمه ويبدأ معركته الخاصة في ظُلم نفسه، وظُلم الأجيال القادمة.
كلمتي للكاتبة وعزائي لها، أن اللوم والعتب لا يجدي ولا ينفع بعد فوات الأوان، ونعرف بأن الموانع كثيرة ومكونات الظروف والواقع المر المحيط بك في تلك الفترة كان في غاية الصعوبة، وليس كل امرئ لديه طاقة، لحمل أوزاره وأوزار غيره، العبء ثقيل والتركة ليست سهلة التقسيم كما يتصور بعضنا، لنا الله يا خير أمة أخرجت للناس.