2024
Adsense
مقالات صحفية

الوسائل التعليمية بين الواقع والمأمول

خميس البلوشي

في زمن يتسابق فيه العالم نحو التقنيات الحديثة، وتغزو الابتكارات عقولنا لتسهم في صياغة مستقبل مختلف، تقف الوسائل التعليمية كركيزة أساسية لتحفيز الفكر وصقل المهارات وتكوين الشخصية، غير أنها تعيش اليوم بين واقع يميل إلى التكرار والجمود، وبين طموح يطمح إلى الإبداع والتفاعل مع متطلبات عصر متغير.

إنّ الواقع الحالي للوسائل التعليمية في كثير من المؤسسات التعليمية يفتقر إلى الحيوية، حيث لا تزال بعض البيئات التربوية تعتمد على الأدوات التقليدية التي تكاد تفقد بريقها في مواجهة تطلعات الأجيال الجديدة، تلك الوسائل، وإن كانت قد أثبتت جدواها في الماضي، إلا أنها اليوم تبدو متراجعة أمام التطورات التقنية، والعقول الشابة التي اعتادت على السرعة والتنوع والتشويق.

التحديات لا تقتصر على تقادم الأدوات، بل تمتد إلى العقول التي تقود العملية التعليمية، والتي قد تفتقر أحيانا إلى مهارات استخدام التقنية بفاعلية، مما يعرقل تحقيق الهدف الأسمى للوسائل التعليمية: نقل المعرفة وترسيخها بأسلوب جذاب وفعال.

أما ما نأمله من الوسائل التعليمية، فهو أن ترتقي لتصبح جسراً يربط بين متطلبات الحاضر وإمكانات المستقبل. نحن بحاجة إلى وسائل تُحاكي عقول الأجيال الجديدة، تتسم بالتفاعلية وتدمج بين المتعة والفائدة، فعلى سبيل المثال، توظيف الواقع الافتراضي والواقع المعزز في دراسة العلوم، أو استخدام الذكاء الاصطناعي لتخصيص التجربة التعليمية لكل طالب بما يتناسب مع مستواه واهتماماته.

إنّ الوسائل التعليمية الحديثة ليست مجرد أدوات، بل فلسفة تضع الطالب في قلب العملية التعليمية، حيث يصبح المعلّم موجها ومرشدا، وتتحول البيئة المدرسية إلى حاضنة للإبداع والاستكشاف.
لكن الانتقال من الواقع إلى المأمول ليس بالأمر السهل؛ فهو يحتاج إلى تغيير في الفِكر قبل الأدوات، يجب أن تؤمن المؤسسات التعليمية بأن الاستثمار في الوسائل التعليمية الحديثة ليس رفاهية، بل ضرورة، وأنها خطوة نحو إعداد جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل.

كما أن هذا التغيير يتطلب تعاونا مشتركا بين الجهات المسؤولة، من معلمين ومصممي وسائل تعليمية ومبرمجين وخبراء تقنيين، فالإبداع لا يولد في عزلة، بل يتطلب بيئة تكاملية تقدّر الفكر وتدعم الابتكار.
وفي خضم تسارع التقنيات الحديثة، تظل الوسائل التعليمية شعاع أمل يربط بين ماض يحمل القيم، وحاضرٍ يفيض بالتحديات، ومستقبلٍ يزخر بالإمكانات، هي دعوة لكل معلم ومربي ومبتكر أن ينظر إلى الوسائل التعليمية بعين التجديد، وأن يضع أمامه هدفا ساميا: بناء عقول تصنع الغد وتواجه المستقبل بكل اقتدار، فالوسائل التعليمية ليست مجرد أدوات جامدة، بل هي الحياة تعيد صياغة نفسها في قالب التعليم، لتُشرق من جديد في عقول النشء وأرواحهم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights