2024
Adsense
مقالات صحفية

الدعاية المغرضة: الوجه المظلم للتسويق العصري

   ناصر بن خميس السويدي

    تلجأ معظم الشركات التجارية إلى الترويج للمنتجات التي تُعرض في الأسواق المحلية والعالمية بطريقة احترافية، وتخصص قدرًا كبيرًا من أرباحها لعمليات الإعلانات التجارية، وقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة، ولا سيما وسائل التواصل الاجتماعي في تسهيل هذه العملية بشكل كبير، حيث أصبحت الإعلانات تصل إلى ملايين الأشخاص بضغطة زر واحدة، مما زاد من سرعة انتشار المنتجات وتعزيز شهرة العلامات التجارية.

    ومع هذا التطور، بدأ التنافس بين الشركات يأخذ أبعادًا جديدة، حيث تسعى كل شركة لابتكار أساليب دعائية جذابة لجذب الجمهور المستهدف غير أن هذا السعي أدى في كثير من الأحيان إلى ظهور إعلانات مغرضة أو مضللة، وهي تلك التي تبالغ في تصوير المنتج أو تقدم معلومات غير صحيحة بهدف التأثير على قرار الشراء للمستهلك.

   على سبيل المثال، قد نجد إعلانات لبعض المنتجات الغذائية تزعم بأنها “صحية ١٠٠٪؜” أو “تساهم في تخفيف الوزن بسرعة” دون أي دليل علمي يدعم هذه الادعاءات. وفي قطاعات أخرى، مثل مستحضرات التجميل أو الأجهزة الإلكترونية، قد تعرض الإعلانات صورًا لنتائج مبالغ فيها أو ميزات غير موجودة فعليًا في المنتج.

   هذا التناقض بين الوعد الإعلاني والحقيقة يُسبب مشكلات متعددة، فعلى المستوى الفردي، يشعر المستهلكون بالاستياء والخداع، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة ليس فقط بالمنتج نفسه بل بالعلامة التجارية ككل، أما على المستوى القانوني، فإن الإعلانات المغرضة تخضع للمساءلة في العديد من البلدان، حيث وضعت قوانين وأنظمة صارمة لمراقبة محتوى الإعلانات وحماية حقوق المستهلك.

   لماذا تستمر الإعلانات المغرضة؟

   بعض الشركات تلجأ إلى هذه الأساليب بسبب الضغوط التنافسية ورغبتها في تحقيق أرباح سريعة، كما أن المنصات الرقمية الحديثة تتيح للشركات إمكانية استهداف الجمهور بشكل دقيق جدًا، مما يجعلها تغري العملاء المحتملين برسائل مبالغ فيها أو غير دقيقة، ورغم ذلك، فإن هذا النهج يحمل مخاطر طويلة الأمد، إذ قد يترتب عليه انهيار سمعة العلامة التجارية تمامًا بعد انتشار الشكاوى أو التقييمات السلبية.

  كيف نحمي أنفسنا من الدعاية المغرضة؟

   على المستهلك أن يكون واعيًا ومدركًا لأساليب الإعلانات المغرضة فمن المهم دائمًا التحقق من مصدر الإعلان، وقراءة التقييمات الحقيقية من العملاء، والتأكد من أن الوعود المقدمة مبنية على حقائق. كذلك يجب على هيئات حماية المستهلك تكثيف الرقابة على الإعلانات لضمان التزامها بالقوانين والمعايير الأخلاقية.

   فالدعاية المغرضة ليست فقط قضية تتعلق بالمستهلكين والشركات، بل هي قضية أخلاقية تؤثر على المجتمع ككل، والاعتماد على الشفافية والمصداقية في الترويج لا يحقق الفائدة فقط للمستهلك، بل يبني أيضًا علاقة متينة بين الشركات والعملاء، تضمن استمرارية النجاح في عالم تسوده الثقة والاحترام المتبادل.

   إن الشفافية والمصداقية لا تقل أهمية عن جودة المنتج نفسه؛ فالإعلانات الصادقة تُسهم في بناء صورة إيجابية مستدامة للشركات وتعزز ولاء العملاء، مما يضمن نجاحًا طويل الأمد، ولعل التكنولوجيا التي تساهم في انتشار الإعلانات السلبية هي نفسها التي يمكن تسخيرها لتعزيز الشفافية، من خلال استخدام التقنيات الحديثة مثل الواقع الافتراضي أو التقييمات الحية لتقديم صورة واضحة عن المنتج.

   من جانب آخر، فإن الشركات التي تعتمد على الأساليب المضللة قد تواجه تحديات قانونية أو أخلاقية تؤثر على مستقبلها، خاصة مع زيادة وعي المستهلكين وانتشار منصات التقييم المفتوح التي يمكن أن تكشف أي ادعاءات كاذبة على الفور، ووفقًا لدراسات السوق، فإن ٧٠٪؜ من المستهلكين يفضلون التعامل مع الشركات التي تعكس في حملاتها التسويقية قيم الصدق والمسؤولية.

   الدعاية المغرضة وتأثيرها على المجتمع

لا يقتصر تأثير الإعلانات المضللة على المستهلك فقط، بل يمتد ليؤثر على التنافسية في السوق،فعندما تتبع شركة ما نهجًا غير أخلاقي في تسويق منتجاتها، فإنها تضع منافسيها أمام خيارين: إما الدخول في سباق المبالغة والغش، أو تحمل خسائر مالية نتيجة تجاهلها لهذه الأساليب، ومع تزايد هذه الظاهرة، يفقد السوق توازنه ويُضحي بالمصلحة العامة لصالح أرباح ضيقة الأفق.

   الحلول الممكنة للتصدي للدعاية المغرضة

 ١. التشريعات والمساءلة: من الضروري أن تعمل الجهات المختصة على تفعيل القوانين التي تضمن معاقبة الشركات التي تروج إعلانات مغرضة، ووضع معايير صارمة لمحتوى الإعلانات.

 ٢. التوعية العامة:

تثقيف الجمهور حول أساليب الإعلانات المضللة وكيفية التحقق من مصداقية المنتجات، من خلال حملات إعلامية وبرامج تعليمية.

 ٣. دور المنصات الرقمية: يجب على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية أن تلعب دورًا في ضبط المحتوى الإعلاني المنشور عبر منصاتها، ومنع تداول أي دعايات خادعة أو غير موثوقة.

 ٤. التوجه نحو الترويج المسؤول:

تبنّي الشركات نهجًا أخلاقيًا في التسويق، بحيث تضع مصلحة المستهلك وثقته في المقام الأول، بدلاً من البحث عن الأرباح قصيرة الأجل.

الخلاصة :

الدعاية المغرضة ليست مجرد إعلانات خاطئة تُنسى بمرور الوقت، بل خطر يهدد منظومة السوق والثقة بين الأطراف. يمكن التغلب على هذه الظاهرة من خلال الجمع بين التشريعات، والمسؤولية الفردية، والتزام الشركات بالأخلاقيات في العمل، فالمستقبل لا يعترف إلا بمن يبني نجاحه على قاعدة صلبة من الصدق والشفافية، لأن الجمهور اليوم أكثر وعيًا وتمييزًا من أي وقت مضى.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights