2024
Adsense
مقالات صحفية

السبلة العُمانية قيم وأصالة

محمد بن حمد المعولي

تعد السبلة العُمانية بمثابة أكاديمية اجتماعية عُمانية خالصة، وهي واحدة من أهم ما يميز المجتمع العُماني، حيث لا تخلو ولاية أو قرية من وجود السبلة بها، وتعد السبلة المدرسة التي يتعلم فيها الشباب الكثير من العادات والتقاليد المتوارثة من الأجداد والآباء. كما يتعلم الشباب في السبلة معاني الرجولة، والكرم، والاحترام وحسن الضيافة والترحيب، وطريقة الجلوس، وطرق الأكل والشرب والحديث، وتلقي العلوم والأدب والشعر والخطابة، وكثير من العلوم النافعة.

وقد حرص العُمانيين على وجود السبلة في مجتمعاتهم بالرغم من وجود المخططات السكنية الحديثة، وكذلك المتغيرات التي طرأت على المجتمع العُماني، إلا أن السبلة لم تختفي من قاموس الموروث العُماني الأصيل؛ وتعتبر السبلة جزء أساسي في حياة العُماني حتى عند تخطيط منزله الخاص، حيث تكون السبلة المصغرة جزء أساسي عند بناء المنزل؛ وذلك لأهميتها.

كما أن للسبلة قواعد صارمة وسلوكيات محددة يجب الالتزام بها من الكبير قبل الصغير، وهي غاية في الالتزام والرقي والتهذيب، ملزمة لكل من يدخل أو يتواجد بها، ومن تلكم القواعد وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ أداب التحية والمصافحة، وأخذ العلوم والأخبار، والضيافة، وحتى طرق وضعية الجلوس، وطرق الاستئذان والانصراف.

هذا، ولا تزال السبلة العُمانية حاضرة ومفتوحة يومياً، خاصة في المناطق الريفية والقرى في بلدنا العزيز، فقد درج العرف أن يلتقي أهل البلدة من الرجال كل صباح في سبلة الشيخ أو كبير العائلة كل يوم؛ حيث بداية يتم أخذ العلوم والأخبار، وبعد ذلك تناول القهوة العُمانية مع التمر، ثم يتم التطرق إلى الأخبار العامة، كما يتم في السبلة الصلح بين المتخاصمين وتوثيق البيوع والعقود والمكاتبات بين أفراد المجتمع، ومخاطبة الجهات الرسمية، ومناقشة بعض المشاريع التنموية فيما يخص الولاية أو البلدة، وكذلك استضافة الضيوف من خارج الولاية، وإقامة الولائم والعزائم، وعقد القران، وكذلك إقامة العزاء والتي غالباً ما تكون لمدة ثلاثة أيام متتالية.

ويتعلم الشباب من السبلة العادات والتقاليد العُمانية الأصيلة؛ وذلك من خلال مجالسة كبار السن الحاضرين في السبلة، إضافة إلى الإستماع للمواضيع المطروحة والمناقشات، وطرق حلول المشكلات وفض المنازعات بين أفراد المجتمع أو القبيلة أو أفراد العائلة؛ وبذلك يحظى الشباب بدروس مجانية حية تصقلهم وتعدهم للمستقبل.

وعبر التاريخ فقد خرجت السبلة العُمانية العديد من الرجال الذين أصبح لهم شأن ودور كبير في مجتمعاتهم وولاياتهم، وتقلدوا مناصب عالية سواء على المستوى الحكومي أو في القطاع الخاص؛ فقد جمعوا بين الدراسة الحديثة بمختلف مستوياتها وبين مجالسة أصحاب الحل والعقد في السبلة، وتشربوا أصول الحديث والاستماع والتفاوض وكل ما كان يطرح فيها من مواضيع مهمة؛ وبالتالي فقد أكسبهم مهارات إضافية وخبرات مختلفة ومتنوعة أسهمت في تميزهم عن أقرانهم الذين هم بعيدين عن السبلة وعن مجالسة كبار السن وأهل الرأي بها.

إن السبلة العُمانية لها أهمية كبيرة في المجتمع العُماني ثقافياً وتعليمياً وانضباطا؛ فهي لا تقل أهمية عن المدرسة والجامع، فالسبلة تساعد كثيراً في ترابط المجتمع وتقوية أواصر الأخوة والتعاون بين أفراد المجتمع، بجانب دورها الريادي في تعلم الكثير من الآداب العامة والسمت والأخلاق والإحترام وفن التعامل بين الصغير والكبير .

لذلك يجب المحافظة على وجود السبلة في مجتمعنا العُماني، ويجب علينا الحرص على أخذ الناشئة من أبنائنا إلى السبلة لتعلم قواعدها وآدابها، ونعودهم على حضور المناسبات المختلفة؛ لكي يستفيدوا مما يطرح فيها من أخبار وأحاديث متنوعة، إضافة إلى التعرف على العادات والتقاليد العُمانية، وبذلك تنتقل هذه السمة العُمانية الفريدة بين الأجيال وتورث من جيل إلى آخر؛ لتبقى السبلة علامة فارقة يعرف بها العُمانيين دون غيرهم من الشعوب الأخرى. فالسبلة صورة تعكس جمال تراثنا العُماني ورمزاً له، وهي الملتقى الذي يربط الماضي بالحاضر، وهي حلقة الوصل بين الجد وأحفاده وبين أفراد المجتمع وأبناء البلدة، فالسبلة هي المكان الذي يحافظ على الترابط المجتمعي والأسري.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights