2024
Adsense
مقالات صحفية

دكتوراة ب325 ريالًا

أحمد بن سليم الحراصي

يومًا بعد يوم ونحن نتلقى مزيدًا من العجائب والغرائب، نسمع عن أعجوبة تلوها أخرى أشد إيلامًا من سابقتها في هذه الحياة التي نعيشها على شفا حفرة، ثم يظهر أحدهم يبرهن ما يريد أن يبرهنه وننسى لتعود إلينا تارةً أخرى فتنهش قلوبنا وتسيطر على عقولنا دون أن تجد لها أي رادع يوقفها، مهزلة وزمن عجيب أن تدرس لأكثر من سبع سنوات عجاف لتجني ثمارها بغَلّة شهرية قدرها 325 ريالًا!

بالأمس القريب، أعلنت وزارة العمل نيابة عن شركة خاصة، فرصة وظيفية جديدة لمدير ضبط جودة بمؤهل دكتوراة وبراتب 325 ريالًا -انتهى النص- الأمر الذي أثار غضب الكثير من الناس واستياءهم وبرهنوا على أن الذي يجري ما هو إلا ضحك على عقول الناس والاستنقاص من مكانة العلم والمتعلم.

فما كان جواب الوزارة بعد هذا الكم من الهجوم والتهكم سوى أن تطلع ببيان أوضحت فيه أن إعلانها كان (صحيحًا)! وأشارت إلى أن من كان يعمل في هذه الوظيفة سابقًا يحمل هذا المؤهل وقدم استقالته والنظام بعد ذلك تلقائيًا أعلن عن هذا الشاغر الوظيفي وأنه في الوقت الحالي يمكن شغلها بمؤهل الدبلوم الجامعي.

أفهم من بيان الوزارة أنه لا يوجد خطأ في إعلانها عن هذه الوظيفة وليست لديها أي مشكلة مع الشركة التي قامت بالإعلان عن الوظيفة رغم أن في ظاهرها استهزاء واضحا بقيمة المؤهلات العلمية العليا، وأفهم أيضًا أن وظيفة مدير ضبط جودة يستطيع أن يحلها موظف يحمل شهادة دبلوم جامعي! فتصور أن يكون مديرك يحمل دبلوما جامعيا وأنت تعمل تحت إمرته بمؤهل البكالوريوس الجامعي! كما أفهم من البيان أيضًا أن الشخص الذي يعمل سابقًا لديه دكتوراة ويعمل في هذا المنصب براتب 325 ريالًا! فإذا كان مدير ضبط جودة يعمل براتب 325 ريالًا، فكم سيكون راتب ممن هم تحت مسؤوليته؟ 200 ريال؟) وأفهم من بيان الوزارة أيضًا أنه لا يوجد لديها مدققون يراجعون ما سيتم نشره عبر موقعها الإلكتروني حتى ولو كان النظام يعمل تلقائيًا فمن غير المعقول ألا يكون هناك تعديلات تصاحب هذه الوظائف المنشورة، فكيف يمكن لعاقل أن ينشر وظيفة براتب 325 ريالًا لمؤهل دكتوراة ويظهرها أمام الناس في موقع الوزارة الإلكتروني بجرأة؟

إذا كنت سأدرس لمدة سبع سنوات دكتوراة لأخرج بعدها براتب 325 ريالا شهريًا فما جدوى دراستي إذًا؟ أليس من الأفضل أن أعمل بعد إكمالي الدبلوم العام لوظيفة براتب 325 ريالًا أو حتى براتب 500 ريال؟ على الأقل حينها استغللت ضياع السنوات السبع هذه التي قضيتها في دراسة الدكتوراة بالعمل وكسب الرزق وتكوين بيت وأسرة على أن أبدأ من الصفر بعد سبع سنوات دون فائدة تذكر.

ما أعرفه وما يعرفه الجميع أن المشكلة أسبابها واضحة وهو كابوس الحد الأدنى للأجور المجحف في حق أصحاب الشهادات العليا وأتذكر أنني قد كتبت مقالًا لحظة صدور الإعلان عن الحد الأدنى للأجور سنة 2020 م من قِبل وكيل الوزارة الذي تقاعد مؤخرًا وذكرت فيه بأن هذا القرار ستستغله شركات كثيرة طالما أن وكيل الوزارة المتقاعد صرّح بأن هذه ال325 ريالًا غير مرتبطة بالشهادة وإنما هي هذه ال325 ثابتة دون غيرها لكل الشهادات والمؤهلات العلمية والتي تهدف إلى انخراط الشباب في العمل وتشجيعهم على اكتساب المهارات والخبرات لتأهيلهم في وظائف أعلى! فماذا تقول يا وكيل الوزارة عن هذه الوظيفة إذًا؟ أليست وظيفةً ومنصبا عاليا؟ وظيفة مدير ضبط جودة! هذه الوظيفة التي أعرف فيها أن أجرها يتجاوز الألف ريال؛ لأنني سبق وعملت في قسم ضبط الجودة وكان مديرنا وافدًا وليس لديه شهادة دكتوراة وراتبه ما يزيد عن الألف ريال، فأين رؤية وزارة العمل في قرار كهذا وأين تطبيقها لرؤية 2040 إذا كانت فرص العمل تلقائيًا تدخل في النظام دون رقيب ودون حسيب لهذه الشركات على أفعالها؟

الحقيقة مرة ويجب أن تُقال دون زيادة أو نقصان، لدينا تلاعب واستغلال من قبل بعض الشركات الاستثمارية في الدولة للمواطن بكونه خادمًا يعمل تحت إمرتها وليس موظفًا ذا كفاءة ولديه من الشهادات العليا ما يشفع له أن يكون في منصب يستحقه ويستحق جهد السنوات وتعب الليالي والأيام التي قضاها في مراجعة دروسه، فعلى وزارة العمل مراجعة ما يتم نشره وتعديله بما يحفظ كرامة الإنسان العماني وماء وجهه، وأن تُحاسب الشركات التي تستغل الحد الأدنى للأجور نكايةً وتسفيلًا بالمواطن العماني، كما نأمل من السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- مراجعة شاملة لنظام الحد الأدنى للأجور الذي ينص على الاكتفاء به دون النظر إلى شهادة الباحث عن عمل للأسباب المذكورة أعلاه.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights