صفحات من عبق الماضي (١) صفحات الطفولة
خلفان بن ناصر الرواحي
تمر بنا الحياة اليومية في محطات مختلفة منذ مرحلة الطفولة وحتى مرحلة الكهولة لمن مدَّ الله في حياته إلى ما شاء من العمر، وفي كل مرحلة عمرية تبقى لدى بعضنا ذكريات مختزنة في صحفات الذاكرة.
إن من تلك الصفحات هي مرحلة الطفولة التي عشنا معها في زمن مضى لما قبل عصر الحداثة والتطور التكنولوجي الجديد، فقد كانت تلك المرحلة بالنسبة لنا هي بداية عصر التغيير والانتقال من جيل عاش زمن انتشار الجهل والفقر وقلة المعرفة والوعي والثقافة لما قبل عام ١٩٧٠م في بلادنا سلطنة عُمان؛ حيث مرت تلك الحقبة السابقة بعدة عوامل وصراعات داخلية وخارجية تكالبت على المجتمع، وكان ميلادنا نحن في نهايات تلك السنوات العصيبة التي مرت على أجيال مختلفة ما زالت تستذكر بعض الصفحات من تلك السنين الماضية.
نعم، إنها مرحلة البراءة الطفولية التي عشناها في زمن تعيش فيه كل قرية وهي في وحدة واحدة، وكأننا نعيش في بيت واحد يجمعنا فيه رباط أسريّ واحد، تعلمنا منه معنى التربية وإن كانت قاسية علينا في بعض الحالات، ولكن لكل زمان ثقافته وظروفه الخاصة، فكانت تربية صالحة قضيناها بين السبلة والبيت والمسجد والقرية وبيوت الطين المتواضعة والمتراصة كالبنيان المرصوص، فكنا نحترم الصغار ونوقّر الكبار، ونساعد بعضنا بعضاً والآخرين.
ما زلنا نتذكر تلك اللحظة التي تلطخت فيها أجسادنا بالطين حينا، والتراب حينا، وحتى ذرات الرماد لم نأبه بمخاطرها، ولم يسلم شعر الرأس من التراب والرمل الذي نعفره عليها بعفوية، وقد لا نسلم في بعض الأحيان من العقوبة، لكننا عندما نتذكرها الآن نتمنى أن نعود إليها رغم قساوة الحياة في تلك الأيام الصعبة.
كانت الألعاب التي نمارسها من البيئة، فمن سعف النخيل وعذوقه نتخذ لنا لعبة للتسلية، ومن كل شيء نجده مناسباً من الطبيعة والبيئة المحيطة بنا نتسلى به، ونمارس بعض الألعاب الشعبية السائدة التي كانت تناسب أعمارنا.
نعم، إنها لحظات جميلة ورائعة عندنا نقلب صفحاتها، ونعيد شريط الذكريات الجميلة يشدنا إليها الكثير من المواقف والأحداث التي ما زالت عالقة في الذاكرة ولا يتسع المقام لذكرها، لتبقى خالدة في قلوبنا ونستذكر منها ما هو أجمل لنعيش لحظات عبق الماضي والذكريات الجميلة.
ونختم هذه الصفحة بهذه الأبيات التي خطها قلمي من مداد “ذكريات الطفولة” التي قلت فيها:
إِقلبْ زمان الأمس من ورقاتي
ما أجمل الأيام والصفحاتِ
ذكرى يعود إلى الفؤادِ حنينها
دوما بنا الأشواق للنزواتِ
زمنٌ يعود إلى تراثِ حياتنا
في سِرّهِ شجنٌ من الأوقاتِ
نغدو ونمرح والطفولة حظّنا
ما أطيب البسماتِ والضحكاتِ
نعدو ونعدو ليس ندري أنها
تعدو بنا الأعمار في لحظاتِ
نلهو مع الأمطار نرجو فرحةً
وعلى الأكُفّ تناثُر القطراتِ
نرنو إلى الوادي العميق حكايةً
تعلو لها الأصوات من صيحاتي
نبكي ونضحك تلك حالُ طفولةٍ
نتذكر الأفعال بعد فواتِ
ما أسرع الأيام تمضي غفلةً
زمن المودة ينقضي وأناتي
يا أيها الماضي المجيد تمهلاً
ولتستعدْ ذكراكَ بالخيراتِ
ولنا من صفحات عبق الماضي تتمة بحول الله.