هلال بن حميد بن سيف المقبالي
كنت أحضر محاضرة في إحدى الكليات، محاضرة عن العمل التطوعي، وكانت فترة الظهيرة وهاتفي في وضع الإهتزاز يخبرني بوجود إتصال واوقفته دون أن أرى رقم المتصل، تكرر الإتصال عدة مرات واضطررت للخروج من القاعة، لأتفاجا برقم المنزل، اذهلتني كثرة الإتصالات،وقلت لعله خير.
إتصلت وإذا بزوجتي تخبرني بأن محمد لم يعد من المدرسة بعد وقد تأخر…. لحظات وتقول ها هو محمد وصل.
حمدت الله…
وعدت إلى القاعة لإكمال إستماعي للمحاضرة.
وفور وصولي إلى البيت مباشرة اتجهت إلى محمد لأساله عن سبب تأخره في العودة إلى المنزل
فقال: تعطلت الحافلة وانتظرنا حتى تأتي حافلة أخرى لتقلنا.
سألته: هل الجميع معكم؟
أجابني: لا بعضهم نزل ونحن بقينا أكثر من 15 طالب.
هل سائق الحافلة كبير في السن أم صغير؟
اجابني صغير مثل إخوتي.
توجست خيفة في نفسي. ربما سلوك سائق الحافلة سيء واختلق تعطل الحافلة؛فأنا لا أعرف هذا السائق.
وسائقي الحافلات، أغلبهم يأتون من قرى مختلفة.
اتصلت بمدير المدرسة فورا وطلبت منه هاتف سائق الحافلة، وبدوره أخبرني بأنه يعلم بتعطل الحافلة وتأخر بعض الطلبة في العودة لمنازلهم.
تواصلت مع سائق الحافلة وطلبت منه اللقاء فوافق دون تردد، وحددنا موعدا في إحدى المقاهي بعد العشاء.
حضرت في الموعد وجلست على الطاولة أنتظره، رأيت شاب ينظر إلي أقبل وسلم على وهو يسألني: هل أنت ابا محمد؟ أجبته: نعم.
قال: أنا سعيد سائق الحافلة.
رحبت به وطلبت منه الجلوس وتجاذبنا أطراف الحديث.
وجدته شاب خلوق محترم مهذب ضعيف البنية لا يتجاوز 24 سنة من العمر.
اتضح لي بعد الحوار ومناقشة تعطل الحافلة بأنه سائق للحافلة فقط وبراتب شهري لا يتجاوز ال150ريالا.
فسألته أنت شاب هل يكفيك هذا المبلغ؟ ولماذا لا تبحث عن عمل آخر؟
أجابني وأكاد أرى الدمعة تلمع في مقلتيه.
أنا خريج تجارة وأقتصاد (بكاريوس إدارة أعمال)منذ سنتين.
وعائلتي تتقاضى راتبا من الضمان الإجتماعي وأنا الرابع في الأسرة تكبرني ثلاث من الأخوات وحتى هذه اللحظة وأنا أحدث بياناتي في سجل القوى بإستمرار وأبحث عن عمل بلا كلل أو ملل بدون جدوى،وها أنا ذا أسوق حافلة المدرسة لتغطية مصاريفي وأساعد في بعض حاجيات البيت بدل الجلوس بلا فائدة،وللعلم الطلبة لا يعرفون أني أحمل شهادة بكالوريوس، ورجاء لا تخبر محمد بذلك،لكي لا ينالهم الإحباط وهم في بداية المشوار،فجميع الطلبة من الصف التاسع وللصف الثاني عشر.
وعدته بتحقيق طلبه.
تناولنا العشاء سويا واستأذنني بالإنصاف.
جلست قليلا مع نفسي، وأنا اردد بصوت خافت إلى متى سيظل وضع شبابنا هكذا!
لقاءنا القادم مع قصة أخرى من سلسلة شبابنا إلى أين؟