2024
Adsense
مقالات صحفية

عمان بين النجوم .. من حلم إلى إنجاز فضائي تاريخي

  ناصر بن خميس السويدي

يُقال إن ما تحلم به بصدق ويقين يصل إليك ولو بعد حين. ينطبق هذا على ما نراه اليوم من تقدم في مجال علم الفضاء، بإطلاق أول مشروع فضائي متكامل يحمل اسم السلطنة، ويضعها بين الدول المتقدمة في هذا المجال.

أتذكر جيدًا زيارتي لمعهد الفضاء الفرنسي في مدينة تولوز أثناء دراستي لدرجة الماجستير في إدارة الأعمال في المجال الجوي عام 2011م. خلال جولتنا في المعهد، شاهدت نماذج لأقمار صناعية تحمل أسماء دول من مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية. شعرت حينها بمزيج من الانبهار والرغبة؛ إذ تمنيت بشدة أن أرى دولتنا وقد امتلكت يومًا قمرًا صناعيًا بأيدٍ عمانية. تلك اللحظة كانت مليئة بالأفكار والأحلام التي تملأ ذهني، حتى أنني لم أستطع التركيز كثيرًا على الشروحات التي كان يقدمها المختصون في المعهد.

بعد عودتي إلى السلطنة، بدأت أتحدث عن هذا الحلم مع أصدقائي وزملائي في العمل. كان حديثي دائمًا يحمل الأمل والثقة بأن عمان ستدخل هذا المجال يومًا ما. وقد زاد يقيني حين سمعت عن مهندسة عمانية تسعى لتشكيل نواة لعلوم الفضاء في السلطنة، بالتعاون مع المؤسسات الداخلية والخارجية، كما تسعى لاستضافة مؤتمرات دولية تعزز مكانة السلطنة في هذا المجال.

من بين المبادرات التي أثارت فخري، ما تم الإعلان عنه بشأن اختيار وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) صحراء عمان لإجراء محاكاة بيئية لسطح المريخ. لقد اعتمدوا على تشابه البيئة الصحراوية العمانية مع تضاريس المريخ، وهو حدث استثنائي جعلني أشعر بفخر لا يوصف.

واليوم، وبعد أن أطلقت السلطنة القمر الصناعي “الدقم-1”، تحقق الحلم الذي كان يراودني. هذا الإنجاز يُبرز الرؤية المستقبلية للسلطنة، ويدل على إرادة أبنائها في تحقيق المستحيل. فقد استطاعت عمان، في سنوات قليلة، أن تتخطى دولًا سبقتها في مجال إطلاق الأقمار الصناعية، ليس فقط بالاسم، بل بعمل مشترك أثبت قدرة الكوادر العمانية على الابتكار والريادة.

هذا الحلم الذي أصبح واقعًا اليوم يجعلنا نزداد فخرًا بالرؤية الاستراتيجية لعمان، تلك الرؤية التي تستثمر في الإنسان، وتخطط للمستقبل بثقة وطموح لا حدود له.

إن الإنجاز الذي حققته السلطنة بإطلاق “الدقم-1” ليس مجرد قمر صناعي يُضاف إلى سماء الإنجازات، بل هو رمز للتحول الذي تسعى عمان لتحقيقه في مختلف المجالات، ومنها علوم الفضاء. هذا المشروع يعكس التزام السلطنة بتعزيز الابتكار والتكنولوجيا في خدمة أهدافها التنموية، ويضعها في مصاف الدول التي تسعى لاستكشاف الفضاء وتسخير إمكانياته لتحسين حياة البشرية.

إطلاق هذا القمر الصناعي يُبرز دور الشباب العماني الطموح الذي أثبت جدارته في مواجهة التحديات، بفضل دعم القيادة الرشيدة التي لم تدخر جهدًا في الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وتهيئة بيئة محفزة للإبداع والابتكار.

لم يكن هذا الإنجاز ليتحقق لولا التكاتف بين مؤسسات الدولة، والانسجام بين الرؤية الوطنية عمان 2040 والأهداف العالمية للتنمية المستدامة. إن امتلاك السلطنة لهذا القمر الصناعي يسهم في تطوير البنية التحتية للاتصالات، ودعم مجالات البحث العلمي، واستشراف آفاق جديدة في مجالات البيئة والمناخ، والذكاء الاصطناعي، والابتكار.

اليوم، ونحن نشهد هذا الإنجاز الكبير، يجب أن ندرك أن النجاح في هذا المجال ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لرحلة طويلة من العمل الجاد والطموح المستمر. إن الرؤية المستقبلية للسلطنة تطمح لأن يكون لها دور ريادي ليس فقط في مجال الفضاء، بل في مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية.

إنها دعوة لنا جميعًا – كأفراد ومؤسسات – للاستمرار في الحلم والعمل، فالأحلام التي تحمل الصدق والإيمان بداخلها تتحقق، كما تحقق هذا الحلم الذي راودني منذ سنوات. وها نحن اليوم نشهد انطلاقة السلطنة نحو الفضاء، مسجلةً اسمها بأحرف من ذهب بين الدول الطامحة لمستقبل أكثر إشراقًا وابتكارًا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights