2024
Adsense
الخواطر

بين نزعة الأنا ووجدانية الروح

فاطمة الحوسنية

مثقلون نحن بني البشر، ضائعون إلى ذلك الحد الذي لا ندرك فيه قيمة ذواتنا المتساقطة منا يوماً بعد يوم، لا ندرك جدّية هذه الروح التي بدأت تتضائل أمام هذا الكم الهائل من سخط الحياة علينا، نمرُ أياماً سلاماً، ونتجاوزها لأخرى حروباً، فلا تشغلنا فضاضة الإنحطاط الذي صرنا إليه فكراً و عقيدة، نتقلب بين صحيح وطالحٍ من الأيام المتناثرة هنا وهناك على عتبات الزمن المتصاعد غروراً، يعجزنا التصالح مع أعماقنا الضائعة، وقد فقدنا سكينتنا، وأضعنا على منعطفات أعمارنا طمأنينة أنفسنا المتهالكة، فقد مُزق السلام فينا إرباً، دون أن نستشعر وقوع الجريمة، وانتهكت أيامنا في مهدها، ونحن ما زلنا نتمرجح بين حقيقة صادقة وأخرى كاذبة، وبين قاعدة صحيحه وأخرى غير صالحة..

مثقلة هذه الروح، متعبة بذلك القدر المترامي من الفوضى، أسقطتنا شهوانية الأنا في جب الظلمات، وقد ألهانا التكاثر، وأعمت بصيرتنا الأضواء الصاخبة التي شقت طريقها لملاذنا الآمن حتى استباحت محاريبنا الزاهدة، أخرستنا أصوات طوائفنا المتضادة فكراً ونزعةً، حتى علا صراخ الأنين فينا، فلم نعي لها صراخا.

منهكون نحن بني البشر، وقد أثقلتنا الخيبات وخانت لطائف فطرتنا النَّزاعات، وأعتمت قناديل أنوارنا أياماً حبلى بالظلمات. ليتنا بقينا في صف الذات، وليت حمامة الأرواح البيضاء ما غادرت سربها لتصير نسراً ضاريا. ليتنا أغلقنا على سكينتنا بمفاتيح الإيمان، وأوصدنا فطرتنا النقية دون رهج التمدن الذائب في سكرات العتمات. ليتنا إخترنا طريقاً آخر يقودنا إلى طمأنينة أرواحنا الغضة دون أن نرمي بها في بئر دون قاع..

قد استوحلت أنفسنا، وقد قُدت من دبرٍ فلا ألفت لها خلاصاً، نستنطقُ الفكرة فينا وهماً، وقد خذلتنا مئات المرات، وما زلنا نُبّرئُها حقيقة، فأي ملاذ لهذه الروح المثقلة سيحملها من مستنقع التصارع والتضاد إلى رحابة الحقيقة الجازمة، وكأنا قد أبرمنا عقداً مُصدَّقاً دون تراجع فيه، على أن نحيا مثقلين بوهم الفكرة، لا نستخرج سكينتنا منها وكأن السجن أحب إلينا مما دعتنا إليه طمأنينتنا..

فمتى نطيب وتستطيب أيامنا؟؟ ومتى يكسر هذا القيد الذي جعل منا عبدةً لكل هذه القواعد والسنن البشرية التي فرضتها علينا أنانية بني آدم المتكابر؟ وكيف الخلاص ونحن نقتات منها يوما بعد يوم؟! نشبع الأنا فينا تخمةً دون أن ننصت لنحيب الروح.. كسرتنا عقائدنا الواهمة، وضللتنا ملامح الإنسانية المشوهة بفكرة التمرد على الذات، وما زلنا نرى في ذلك الكسر شقاً جميلاً دون ارتعاب.. نُزين حطام أنفسنا بكل فكرة مبتذلة حتى لا نرى ذلك الإنقسام الجامح فينا.. نحن نسقط يوماً بعد يوم، ولكنا أغلقنا أعيننا بعصابة التمرد حتى لا نشعر بعمق الهاوية…

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights