لو كنت تعلم الغيب لما سعيت
وداد بنت عبدالله الجابرية
تكثر الكلمات وترسم الأحلام “لو فعلتُ هذا وذاك لكنتُ في هناء وراحة بال”، وهو لا يعلم بما في الغيب مخبأ له، فقط يوهم نفسه بأحلام لا يعلم أين تقوده، فلو يعلم الغيب لما سعى. الأحلام مجرد وهم نسج من تراكم الأفكار ومن تجارب الآخرين ومن رغبة النفس. عندما نرى من وصل للقمة نقول: بأنه لم يجد المشقة في طريقه وأنه وصل بكل سهولة، فلا نعلم أننا نرى النتيجة فقط، ولا نرى الطريق الذي مر فيه، فلو كنت تعلم الغيب لما سعيت إليه.
في زمن الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – منع اليهود من دخول المدينة، ولكن في أحد الأيام جاءه المغيرة يستأذنه ليدخل غلامًا يساعده في العمل، وافق عمر على دخول هذا الغلام المجوسي المسمى “أبو لؤلؤة” دخل هذا الغلام للعمل مع المغيرة، ولكن هذا الغلام كان يشتكي لعمر بن الخطاب عما يفعله المغيرة به من الأعمال الشاقة، فقال له عمر: “اصبر على المغيرة”. وكان في نية عمر الحديث مع المغيرة لتخفيف العمل عن الغلام، ولكن للأسف لا أحد يستطيع أن يرى ما بنية الآخرين، نكتفي بأن الله يعلم بالنوايا.
من هنا حقد الغلام على عمر، وفكر في قتله، وفي يوم الأربعاء مع صلاة الفجر، تقدم عمر وكبر، فدخل أبو لؤلؤة المجوسي متخفيًا بين صفوف المصلين، حتى وصل إلى عمر وقام بطعنه في كتفه ومن ثم في خصره سقط عمر وهرب المجوسي بين الصفوف وهو يطعن المصلين، حتى أُلقيت عليه ثياب ثقيلة وعلم المجوسي بأنه لن يخرج، فطعن نفسه.
فالعبرة من القصة أنه لا أحد منا يعلم الغيب، فلو كان عمر يعلم لما أدخل المجوسي، وأنت حلمت كثيراً، وظلمت، وانقهرت وانكسرت وتأذيت، ولأننا لا نعلم الغيب فنحن نسعى لرسم تلك الأحلام الجميلة ونسعى للخير، وهذا الخير يكون مكنونًا بما هو خير لك وأعظم.
نعم، قُتل عمر من قبل المجوسي، ولكن الخير منها هو أن من قتل عمر كان كافراً، وعندما علم عمر بالقاتل قال: “الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجّني عند الله بسجدة سجدها قط”. الحمد لله الذي جعل أقدارنا بيده.