المرأة العُمانية أيقونة الريادة والعطاء
ثريا بنت علي الربيعية
المرأة نصف المجتمع، وركيزة من ركائزه الأساسية التي تُشكل بمشاركتها الرجل مسيرة التغيير الإيجابي في بناء المجتمعات، ولا يمكن أن يستقيم أمر الأمم وتلتحق بالركب الحضاري دون أن يكون هناك بصمة للمرأة في التربية والتنشئة، فلم يعد دورها مقتصرًا على الأمومة ورعاية الأسرة إنما حجر الأساس الذي تقوم عليه مختلف المؤسسات المجتمعية، بما يتناسب وفق الإمكانات الفطرية والمؤهلات التي تميزت بها، ولا ريب أنّ المرأة قد حظيت بمكانة عالية في الدين الإسلامي الحنيف؛ إذ ضمنت المبادئ الإسلامية للمرأة المساواة والتكريم والحقوق العادلة في كل المجالات، والحفاظ على عزتها وكرامتها في الأسرة أو المجتمع قبل أن تهتم الاتفاقيات الدولية والمنظمات العالمية بحقوق المرأة في واقعنا المعاصر، وقد أشار الدين الإسلامي إلى أصل التكريم والخلق بين الرجل والمرأة في قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [سورة النساء: 1]، وانطلاقا من هذا المبدأ الثابت فقد نص النظام الأساسي في سلطنة عُمان على المساواة بين الرجل والمرأة، وضمن عدم التمييز بينهم لأي سبب؛ وعليه فقد مُنحت المرأة العُمانية الكثير من الحقوق مساواة مع الرجل، وشُرع لها الكثيرمن القوانين في جميع المجالات؛ مما يمثل انعكاسا صادقًا لهذه المبادئ.
وفي ظل عهد النهضة المباركة تبوأت المرأة العُمانية مكانة رفيعة، وتقلدت العديد من المناصب المرموقة، فمنذ بزوغ فجر النهضة العُمانية في عهد السلطان قابوس- طيب الله ثراه- تمكنت من المساهمة في التنمية الوطنية، فضلا عن ذلك تم منحها الحق في المشاركة في اتخاذ القرار، وفُتحت أمامها مجالات التعلم والتعليم بكل مراحله ومستوياته، وبالتأكيد لعبت دورًا فاعلًا للارتقاء برفعة الوطن في كافة القطاعات، فاستطاعت إبراز قدراتها في شراكة مجتمعية؛ فكانت وما زالت صنوان مع شريكها الرجل في المضي قُدمًا لدفع عجلة التطور في سلطنة عُمان.
وفي حقيقة الأمر خُصص يوم السابع عشر من أكتوبر من كل عام ليكون يومًا للمرأة العُمانية، والذي جاء ترجمة للنهج السامي للسلطان الراحل طيب الله ثراه، ولفتة كريمة من لدنه للاحتفاء بما حققته المرأة العُمانية من أدوار ريادية، وبرزت إسهاماتها في دعم المجتمع بالعلم والمعرفة، ورعاية شؤونه؛ بما يحقق التقدم لهذا الوطن الغالي، ومع انطلاقة العهد الجديد لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يتأكدُ دورها الجوهري في النهوض بمستقبل سلطنة عُمان، في ظل ما حظيت به المرأة العُمانية من تقدير واهتمام من جلالته على مختلف الأصعدة، وفي هذا المقام ندرك تمامًا أنّ المرأة العُمانية ركنًا هامًا من المنظومة المتكاملة في المجتمع لا يستغنى عنه، حتى نالت مناصب على مستوى رفيع في السلطة والإدارة والقيادة؛ فكانت الدبلوماسية، والوزيرة، والعضوة في مجلس الدولة وغيرها من المناصب القيادية التي أهلتها أن تكون لها بصمة حاضرة في كل المحافل الإقليمية والعالمية.
بطبيعة الحال هذا التميز ليس بالغريب على كيان المرأة العُمانية، التي وُلدت على هذه الأرض، ونهلت من عذب مائها، وطيب تربتها؛ فخرجت زهرة يانعة بعطائها، تنشر عبير أثرها في ميادين العلم والتمكين، وأثبتت كفاءتها في كل ميدان، ولا يخفى علينا سر هذا التفوق الذي يكمن وراءه الإيمان بقداراتها، وكفاحها لتحقيق الذات وبلوغ الغايات؛ فكانت الأم المربية، والطبيبة النابغة، والمعلمة المخلصة، والدبلوماسية المحنكة، وأيًا كان زمانها ومقامها فقد أثبتت أنها أهلٌ للثقة والتحديات، وتبعًا لذلك ظهرت لنا نماذج مشرفة لأمهات عُمانيات من عبق الماضي والحاضر المشرق، أصبحن أيقونات يُحتذى بهن في العلم والعطاء المجتمعي، تجسدت فيهن سمات القوة وحب العلم، هذا وقد خُلدت أسماؤهن في أمهات الكتب؛ فأصبحن مراجع في الفقه والأدب والبلاغة؛ كأمثال: عائشة الريامية، وشمساء الخليلية، والشعثاء بنت جابر، وغيرهن من القدوات الخيّرة ممن كانت لهن إسهامات علمية عبر التاريخ العُماني.
جملة القول: هنيئًا لكل امرأة عُمانية هذا الشرف، وحُق لكل عُمانية أن تضاهي نساء العالم باعتزازٍ بالغٍ بما تم رصده من إنجازات جلية، وما حققته من نجاحات ملهمة في أسرتها ومجتمعها، وأن يكون هذا المحفل السنوي بمثابة دافعًا لها للسعي لتحقيق التطلعات المستقبلية بكل شغف، وإدراكًا بالمسؤولية التي كلفت بها لإعطاء صورة مشرفة عن المرأة العُمانية باتزانها وأصالة جوهرها، والشكر والثناء لكل نساء سلطنة عُمان، أيقونات العطاء في زوايا الوطن العزيز.