تأملات في بعض مستحدثات أحكام قانون المحاماة والاستشارات القانونية الجديد”قراءة تحليلية نقدية”
د. سالم الفليتي
أستاذ القانون التجاري والبحري المشارك
قسم الحقوق – كلية الزهراء للبنات – مسقط
salim-s@zcw.edu.om
واكب المشرع العماني بموجب المرسوم السلطاني رقم (4) لسنة 2024م، توجه المشرعين الآخرين في سن قانون جديد ينظم مهنة المحاماة ومهنة الاستشارات القانونية، ويخلف قانون المحاماة رقم (108) لسنة 1996 – خلافة عامة – ويلغي كل ما يخالفه أو يتعارض معه بدلالة المادة (4) من مرسوم إصداره.
ونصت المادة (2) من المرسوم أن يصدر وزير العدل والشؤون القانونية اللائحة التنفيذية للقانون، وكذلك القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام القانون، وحتى صدور تلك اللوائح والقرارات يستمر العمل باللوائح والقرارات القائمة بشرط الأ تتعارض مع أحكام القانون الجديد.
ألقت المادة (3) من المرسوم بإصدار القانون واجباً على عاتق مكاتب المحاماة والشركات المدنية للمحاماة، ومكاتب الاستشارات الأجنبية القائمة عند صدور القانون بتوفيق أوضاعهم خلال عام واحد من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية.
كما سمحت هذه المادة استمرار الشركات المدنية للمحاماة القائمة متى كانت في شراكة مع شريك أجنبي غير عماني لمدة (3) ثلاثة أعوام من تاريخ نفاذ القانون. وبهذا النص يكون المشرع قد أضفى بعداً اجتماعياً واقتصادياً للمخاطبين بهذا القانون وهو منهج يحمد عليه؛ تجسيداً لما يعرف بمبدأ “الأمن القانوني”.
اهتم المشرع الدستوري كثيراً بمهنة المحاماة، وأفرد لها نصاً خاصاً بها، بيّن أهميتها وما يصاحبها من الضمانات المقررة لها، وذلك في المادة (88) من النظام الأساسي للدولة، حيث تنص على أن “المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع، يمارسها المحامي مستقلا، لا يخضع إلا لضميره وأحكام القانون، ويتمتع المحامون جميعا – في أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم – بالضمانات والحماية التي تقررت لهم، مع سريانها عليهم أمام جهات التحقيق والاستدلال، وذلك على النحو الذي يبينه القانون”.
ولم يكن من المناسب ولا من الممكن منطقياً إزاء هذه الأهمية التي تحظى بها مهنة المحاماة والاستشارات القانونية من جانب، وإزاء التطور الحضاري الذي شمل مختلف مظاهر الحياة العمانية بصفة عامة، والحياة الاقتصادية منها بصفة خاصة ومتغيراتها الإقليمية والعالمية من جانب ثانٍ. ولم يكن من المقبول ايضاً السير طويلاً على قصور القانون القديم عن ملاحقة أساليب مهنة المحاماة ومهنة الاستشارات القانونية بثوب حديث؛ على اعتبار أن هذا القصور يمثل حجر عثرة أمام ازدهارها واستقرارها.
لهذا جاء قانون المحاماة والاستشارات القانونية الجديد مستحدثاً أحكاماً جديدة، ومستوفياً مسائل ناقصة، فكان طوق النجاة المنتظر.
وإذا كان لا يجوز لنا التردد – ولو للحظة واحدة – في القول إن المشرع العماني كان موفقاً في إصدار هذا القانون، فإنه في المقابل لا يمكن لنا – بطبيعة الحال – أن نصدر حكماً عاماً مجرداً نبين فيه التناسق من حيث الشكل، والتوافق من حيث الموضوع، بشأن الحلول التي نص عليها القانون، ومدى ملاءمته لواقع حياة هذه المهنة من جانب، وأصول الفن القانوني في الصياغة من جانب ثانٍ، والبحث عما إذا كانت قواعده وأحكامه المنظمة لهذا المهنة تساوي مجموعاً متجانساً إلا بعد دراسة أحكامه واستظهار مدى توافقها وواقع الحال.
في هذا المقال والمقالات التالية نكتفي بدراسة بيان بعض الأحكام المستحدثة – والتي نراها من وجهة نظرنا – أنه من الأهمية بيانها وإظهار فلسفة المشرع فيها، كما سنبدي ملاحظاتنا تجاه تلك النصوص لنبين إلى أي حد جاءت هذه الأحكام وتلك النصوص متفقة مع أهداف وأولويات رؤية عمان 2040 وتوجهاتها الإستراتيجية.
أولاً: نطاق تطبيق القانون الجديد:
تنص المادة الرابعة من قانون المحاماة والاستشارات القانونية الجديد بأنه ” لا يجوز الجمع بين المهنة والوظائف والأعمال الآتية:
1- الوزراء ومن في حكمهم.
2- رئيسي مجلسي الدولة والشورى.
3- الوظائف العامة في وحدات الجهاز الإداري للدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة.
4- العمل في الشركات أو المؤسسات الخاصة أو الجمعيات أو لدى الأفراد.
5- الاشتغال في التجارة أو أي عمل أو مهنة أخرى، أو تملك شركة – أيا كان نوعها أو طبيعتها – أو حصص فيها، وذلك فيما عدا شركات المساهمة العامة.
ويترتب على شغل المحامي أو المستشار القانوني إحدى هذه الوظائف أو الأعمال عدم جواز ممارسته المهنة طوال فترة شغله لها، ونقل المحامي إلى جدول المحامين غير المشتغلين، ونقل المستشار القانوني إلى جدول المستشارين القانونيين غير المشتغلين.
وفي تطبيق أحكام هذه المادة، لا تعد وظائف أو أعمالا يحظر الجمع بينها وبين المهنة عضوية اللجان أو المجالس الحكومية، أو عضوية مجلس عمان، أو عضوية المجالس البلدية للأعضاء المنتخبين، أو عضوية مجالس إدارة الهيئات والشركات المملوكة بالكامل للحكومة، أو عضوية مجالس إدارة الشركات المساهمة العامة.
ويحظر على الأشخاص المذكورين في الفقرة السابقة قبول وكالة أو تقديم المشورة القانونية أو المرافعة في دعاوى ضد الجهات المشار إليها في الفقرة ذاتها، ويستمر هذا الحظر لمدة (٣) ثلاثة أعوام بعد انتهاء عضويتهم فيها”.
بينت المادة الرابعة من قانون المحاماة والاستشارات القانونية الجديد، القاعدة العامة للأشخاص الممنوعين من الجمع بين مهنة المحاماة، ومهنة الاستشارات القانونية والوظائف والأعمال في (5) خمس حالات، وبمقارنة هذه الحالات مع الحالات المنصوص عليها في القانون القديم، يتبين لنا، أن المشرع في القانون الجديد قد وسع من حالات الحظر، بأن أضاف من يشغلون رئيسي مجلس الدولة والشورى، والأكاديميين في كليات وأقسام الحقوق (القانون).
ولعل السبب – من وجهة نظرنا – أن مهنة المحاماة، مهنة لا تقبل أن يشاركها عمل آخر؛ نظراً لأهميتها وما تطلبه هذه المهنة من وقت وجهد يزيد كثيراً عن باقي المهن الأخرى. وحسناً فعل المشرع ، على اعتبار أن الجمع بين تلك الوظائف ومهنة المحاماة والاستشارات القانونية أمر سيؤدي يقيناً إلى الإفراط في جانب، والتفريط عن جانب آخر، آيات ذلك:
1- أن المشرع يظهر فلسفة حديثة – متجانسة ومتوافقة مع رؤية عمان 2040 – في هذا المنع، فشاغلو رئاسة مجلس الدولة ومجلس الشورى مكلفون بأعمال تشريعية جمة، كما أنهم يترأسون العديد من اللجان ذات الصيغة التشريعية؛ فهم مطلعون على تحديث تلك التشريعات، ومزاولتهم مهنة المحاماة والاستشارات القانونية، أمر خارج عن مفهوم الحاكمية.
2- يحظر المشرع الجمع بين مهنة المحاماة والاستشارات القانونية والتدريس في الجامعات والكليات أمر يفرضه واقع الحال، حيث إن التعليم والتعلم والبحث العلمي توجه إستراتيجي لرؤية عمان 2040، ومن قبلها الإستراتيجية الوطنية للتعليم 2040، ووفق متطلبات مؤشرات الأداء في هذا الجانب، فإنه – لا يمكن لعقل – التسليم بقدرة الأكاديمي تحقيق تلك المؤشرات مع العمل في مهنة المحاماة والاستشارات القانونية، فالجمع بينهما – يقيناً – سيؤدي إلى النهوض في جانب على حساب جانب آخر.
واستثناء من قاعدة الحظر، يجيز المشرع في القانون الجديد الجمع بين مهنة المحاماة والاستشارات القانونية مع عضوية اللجان أو المجالس الحكومية، أو عضوية مجلس عمان أو عضوية المجالس البلدية، أو عضوية مجالس إدارة شركات المساهمة العامة.
ولعل السبب في ذلك، أن العضوية في هذه الحالات عضوية مؤقتة، ومع ذلك – وتحوطاً من المشرع – لم يجيز لهم قبول وكالة أو تقديم المشورة القانونية أو المرافعة في دعاوى ضد الجهات التي هم أعضاء فيها، ويستمر هذا الحظر لمدة (3) ثلاثة أعوام بعد انتهاء عضويتهم فيها.
الجدير بالذكر، أن المشرع يظهر فلسفة تحفيزية أخرى – خلافاً لما هو مقرر في قانون الشركات التجارية – وإن كانت غير مباشرة في رغبته في تحول الشركات التجارية إلى شركات مساهمة عامة، بدلالة البند (5) من المادة (4) من القانون، والفقرة (3) من المادة ذاتها، حيث سمح لأعضاء مجالس إدارتها مزاولة مهنة المحاماة والاستشارات القانونية إضافة إلى عضويتهم في تلك المجالس.
نستكمل تأملاتنا في قانون المحاماة والاستشارات القانونية في المقالات التالية.