ناصر بن خميس السويدي
في لحظات الفقد، يكون الألم عميقًا كالبحر، لا تسعفنا الكلمات ولا تهدأ مشاعرنا، اليوم رحلت عن هذه الدنيا أمي.
الأم التي كانت قلبًا نابضًا بالحب والعطاء، الأم التي لم تكن فقط مصدرًا للحياة بل كانت حياة بحد ذاتها، رحلت أمي، رحلت الدموع الصامتة التي كانت تدعو لنا ليلًا ونهارًا، رحلت تلك الأيادي الدافئة التي كانت تلامس قلوبنا قبل أن تلمس وجوهنا.
كانت أمي خزانة الدعوات، ترفع يديها بالدعاء في كل صلاة، تُحب الطاعات وتستشعر قربها من الله بكل نفس، لم تكن فقط أمي بل كانت أمًّا لكل من عرفها، تفتح بابها لكل محتاج، تطعم الصغير والكبير، وتغمر الجميع بحبها وحنانها، كانت تمثل الضحكة البريئة في وجه الصغار، واليد الكريمة الممتدة لكل من طرق بابها، مضيافة بطبعها، وكريمة بيدها وقلبها، لم تكن ترد أحدًا، وكانت تستقبل الجميع بحضن دافئ وكلمة طيبة، ما جعلها أقرب إلى قلوب من حولها.
كل من عرفها كان يصفها بطيبة القلب، نقاء الروح، وصفاء السريرة، كانت أمَّ المساكين. الصدقات لا تفارق يدها، والابتسامة لا تغيب عن وجهها حتى في أصعب اللحظات، كانت تعشق البساطة، وتحب الخير للجميع، ترى الفرح في عيون الآخرين وكأنه فرحها الشخصي.
اليوم يغيب هذا النور عن حياتنا، غابت تلك البشوشة التي كانت تدخل البهجة إلى قلوبنا، غابت الأم التي كانت تسهر على راحتنا دون كلل، غابت؛ لكنها تركت فينا إرثًا من الحب، إرثًا من الدعوات الصادقة، إرثًا من الذكريات التي ستظل محفورة في قلوبنا إلى الأبد.
كيف يمكن أن أنسى تلك اللحظات التي كانت تهتم بنا، تسهر على راحتنا، وتضحكنا بحديثها الطيب؟ كيف يمكن أن أنسى تلك اللحظات التي كانت تطعم الطيور في الفجر، وهي تتحدث لنا عن عظمة الخالق؟ وتطعم القطط كل يوم وتنهانا عن مضايقتها وهي تأكل رحمة بهن، كانت أمًا استثنائية، عظيمة في عطائها، حبيبة للرحمن، مرفوعة بالدعاء. لقد كانت ملاكًا على هذه الأرض، والآن عادت إلى خالقها، عادت إلى رحمة الرحمن وجنة النعيم.
اليوم، أودعها بقلبي المثقل بالألم، لكني أوقن أنها في مكان أفضل، مكان لا تعب فيه ولا ألم. أدعو الله أن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وأن يرحمها برحمته الواسعة.
يا أمي، رحلتِ بجسدكِ لكن روحكِ باقية فينا، كلماتكِ، ضحكاتكِ، دعواتكِ، ستظل تتردد في قلوبنا وعقولنا ما حيينا، نطلب من الله أن يجمعنا بك في جنة الخلد، وأن نلتقي في دار لا فراق فيها.
**إنا لله وإنا إليه راجعون**
