سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
مقالات صحفية

سيكولوجية الجريمة (1)

د سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي

مما لا شك فيه أن خبر الجريمة ينزل كالصاعقة على مسامع الناس، والجميع يتساءل بتعجب حينما يسمع خبرًا عن جريمة معينة!، وكأنه أمر لا يمكن تصديقه: كيف حدث هذا، وماذا حدث بالتحديد، ومتى حدث، وما الدافع لحدوث الجريمة؟ وخصوصا إذا كان الجاني من أفراد معروفين ومِن غير المتوقع سماع هذا الخبر عنهم، سواء أكانوا في جهة عمل معينة، أو معارف أو أقارب أو أصدقاء، لكن كيف يمكن التحصن من الوقوع في الجريمة؟ أم أن الجريمة تحدث في لحظة من اللاوعي والسيطرة الذاتية، وكيف الوقاية للنفس والأبناء والأسرة والمجتمع من الجريمة أيًا كان نوعها؟ كل هذه أسئلة تدور في الأذهان، وتشغل بال الكثيرين من المختصين وغير المختصين؛ ولذا سوف يتم تناول هذا الموضوع المهم على مراحل متعددة، ومن خلال مختلف وجهات النظر المفسرة للجريمة، ووفقا لسيكولوجية الأشخاص وبنائهم النفسي الممتد منذ نعومة أظفارهم.

ولذا يعد موضوع الجريمة من الموضوعات التي شغلت اهتمام الكثير من علماء النفس، والطب النفسي، وعلم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس الجنائي وغيرهم، فارتكاب الأشخاص للجرائم المختلفة من قتل وسرقة واغتصاب ومخدرات وغيرها إنما تخفي وراءها العديد من الأسباب والدوافع التي تكمن في شخص من اقترفها. والحقيقة أن الجريمة سلوك مرفوض من الشرع والمجتمع، وهي تحدث على الرغم من التحذيرات والعقوبات التي شرعت لردعها، ولكي نحدد الفروق بين الأفراد في السلوك الإجرامي يجب أن نعرف سبب انحراف بعض الأفراد المنتمين إلى المجتمع وخروجهم على النظام والقانون، على الرغم من علمهم المسبق بمصير الجريمة وعقابها المنتظر.

وفي الأعم والأغلب فإن الجريمة ظاهرة طبيعية تحدث في كل المجتمعات، ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الشخص المجرم نفسه إنسان سوي طبيعي أو أنه لا يعاني من شذوذ نفسي أو عقلي، فقد تتولد الجريمة من تفاعل حالة الفرد الانفعالية والضغوط النفسية التي يواجهها وغياب العقل والتفكير بدون وعي وسيطرة الانفعال، والجريمة بحكم طبيعتها العدوانية مصدر لمجموعة كبيرة من الانفعالات أو ردود الفعل؛ فهي قد تثير مشاعر متباينة من الخوف والحذر، وأيضًا مشاعر الزهو والتفاخر والجرأة والشجاعة بحسب إقدام الفرد على جريمته ودوافعها التي قد تكون مسبقة أو فجائية بحسب الموقف الذي تواجد فيه.

وهنا ينبغي الإشارة إلى أن من ارتكب جُرما ينبغي أن يُعاقب، وفي نفس الوقت ينبغي أن يُنظر إليه وفقا للعديد من الاتجاهات والمعطيات، والنظرة هنا نفسية بحتة، وفقا لما تتجه له الحضارة الإنسانية اتجاهًا يتزايد وضوحًا وتأكيدًا نحو الاهتمام بالفرد كقيمة، والتعمق في دراسة مشكلاته كشخصية لها طبيعتها المتفردة عن غيرها، وفي ظل تزايد الاهتمام بالإنسان ظهر اتجاه جديد لا يفصل بين المجرم والإنسان، وبدأ المهتمون بهذا المجال ينظرون نظرة جديدة إلى المرض النفسي والعقلي والجريمة، ولم تعد تقتصر مهمة الباحث في السلوك الإجرامي على إدانة المجرم أو معاقبته أو إصدار الأحكام الخلقية التي من شأنها التقليل من كونه عضوًا فعالًا فقده المجتمع، بل أصبح من الضروري التعامل معه على أساس أنه إنسان فقد توافقه مع نفسه ومجتمعه ولجأ للجريمة لكي يستعيد هذا التوافق المفقود.

ويمكن القول أن الجريمة ليست مجرد ظاهرة مضادة للمجتمع يتم التعامل معها وفقًا لنصوص قانون العقوبات فقط، ولكنها أيضًا مشكلة نفسية توجب على القائمين بتطبيق السياسات العقابية أن يتابعوا منجزات علم النفس والصحة النفسية فيما يتعلق بأسلوب التعامل مع الجريمة والمجرمين، لعلّ وعسى يتم تغيير النظرة للجريمة. وينبغي أن لا يفهم هنا مساندة المجرم في جريمته والتهاون معه؛ بل الأمر أكبر من ذلك، ومفاده هو الدراسة النفسية بشكل موسع لهذا الأمر، وهو ما سنتعرف عليه في المقالة (الثانية) بأمر الله تعالى.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights