خلجات قلب ..
عبدالله بن حمدان الفارسي
لا أكتب إلا لمن يهمّني حبّها، وأُدمنها عشقاً، أكتب لأتنفس حبّاً بها، فلا حُبّ إلا بالغرق في بحرها، يمخر بي زورق الودّ لتلك التي أغدقتني ولَهاً، وعزفتني شوقاً، لتغتسل قريحتي مُغتسلاً بارداً وشراباُ من ثغرها المدّاح.
أكتب لمن تفترش كلماتي، وتحتشم خلف كثبان أحرفي، لتلك الملامح الحالمة بذاتها، الجميلة التي تخجل من نفسها، الكتابة لديّ حرفة وفلسفة يونانية تمتهنه جوانحي حين يزورني طيفها ليطربني غزل العذارى.
أكتب لأن الكتابة عنها ولها أكسير الحياة، وعشقٌ عسجديّ تملّكني، يباهي الثريا في عُلاها، نقية هي كنقاء البراعم من شوائب الحقول البديعة، ترتسم على وجنتيها زخارف السماء الزاهية الألوان، ويكمن فيها غموضٌ لأعماق أعماق البحار، تكمن فيها تقلبات وتناغم الفصول الأربعة، أشياء عديدة، جمال وبهاء، وكثيرة فيها التناقضات الرائعة، تجتمع فيها الأسرار وفضائل الحُسن ومحاسن الفضائل في آنٍ واحد.
كيف لا أكتب لها وهي من تحيا بها الكلمات، وتُسَرّ بها الأسطر على الصفحات، وهي التي تحتوي في بعضها كل الجهات، هي من تكتسي ملامحها بزخارف الإبداع، منها يستمد عقلي فلسفته اللامعقولة، وتتغنى مفرداتي تيهاً حين تتخذ من ثغرها مستقراً للتباهي.
فما أن تجود ببسمتها للأشياء حتى تستأنس ذاتها وتعرف قيمتها، كل تمام الجمال ينتمي لها ويسكنها في كلها، ما أن تتحدث إلا وجوامع الكلم تتمايل بين شفتيها عشقاً مغروراً.
جربت ثم حاولت ألا أقترب منها، ولكن هل تلام الفراشة حين تنتحر على الأنوار؟ مؤنستي لا أنتظر فرحاً منكِ، فأنا إن عشتُ بقربكِ لا تهمني ولا تبهرني بقية الأشياء، فما أرجوه ألا يكون أحدٌ غيركِ في عيني.