تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

جريمة وعسس- الجزء العاشر

خميس بن محسن البادي

ساق لنا الجزء السابق أحداث القبض على المجرمين الثلاثة في جريمة اعتدائهم على همام وهيام، وبيّن وضع سهم من القضية التي كان قد تولى العمل في جوانب منها منذ ليلة وقوعها بحكم أن أحد المتهمين هو أخوه، حيث طلب من رئيسه مهلة حول استمراره للعمل في القضية من عدمه.

وفي المنزل جلس سهم بعد العصر مع والديه كعادتهم وقت فراغهم للحديث في شتى الأمور باستثناء عملهم، فكلٌ يحتفظ بأسرار عمله إلا فيما قلّ وندر وباقتضاب شديد جداً، باستثناء فهم من هذا التجمع العائليّ اليوميّ بتخلّفه عنه للأسباب التي هو عليها، وأثناء جلستهم تحدّث سهم مع والديه بأنه ولأول مرة تقريباً سيتحدث معهما بتفاصيل خاصة تتعلق بعمله، ولكنه يهمهم جميعاً، وأنه بحاجة إلى رأيهما فيه لأهميته، وأن الأمر لا بد من أن يعرفانه سواء اليوم أو بعد مدة، طالباً إليهما تقبُّل الأمر طالما هو قد حدث ووقع، وعدم تحميل النفس ما لا تطيق، مؤكداً لهما بأنه يودّ راحة بالهما ويسعى لأن يكونا في هناء وسعادة دائميْن، فحثّه والده على الكلام دون أية مقدمات، بحجة أنه لا يجب أن يكون هناك مكان بينهم للحواجز والمقدمات وهم أسرة واحدة، فاسترسل قائلاً بأن فهم مقبوض عليه وهو في السجن مع اثنين من رفاقه، فقاطعه الأب بقوله بأن هذه أمور متوقعة منه، وأن إصلاحه واستقامته أصبحا أمران مفروغ منهما، مضيفاً أنه عرف ذلك من خلال اتصال تلقاه ظهر اليوم من أحد منتسبي الشرطة يبلغه بأن فهم واثنين معه في قبضة الشرطة وأن محدثه اتصل به ليطمئنه بوجوده في قبضتهم، وأنه يجري سؤال الثلاثة عن مدى تورطهم بجريمة يبحثون فيها عن مرتكبيها وهم ضمن المشتبه بهم في تلكم القضية، مؤكداً أن هذا ليس بجديد على فهم طالما هو سلك هذا المسلك الإجرامي، فأضاف سهم قائلاً: لكن يا أبي، فهم وزميلاه هم فعلاً متورطين في الجريمة وثابتة عليهم بالأدلة المؤكدة، والجرم جداً شنيع وغير مألوف، بل ومرفوض كلياً في مجتمعنا المسالم، وهو جرم يندر أن يحدث مثله في البلد وليس هناك ما هو أشنع منه على الذات البشرية بعد جرم القتل والعياذ بالله، وهذا ما دعاني إلى أخذ رأيكما فيه بصفتي أحد أعضاء فريق العمل في هذه القضية، فردت والدته بقولها: أخبرنا يا سهم من غير مقدمات بما تورط به أخوك، وبيّن ما تود أخذ الرأي فيه منا، فأجابها سهم: يا أمي، إن سلامة الفرد في مجتمعه متى ما تعرضت للإهانة والإذلال وهتك عرضه فهي من أبشع الجرائم في جميع المجتمعات وليس الإسلامية فقط، وأنتما تعلمان ذلك، بل وحتى في المجتمعات التي تتبع مللاً أخرى غير الإسلام، تنبذ وتمقت هذا النوع من الإجرام الذي للأسف اقترفه فهم اليوم بحق زوجين بريئين ذهبا ضحية هذا الفعل الشائن، فسأله والده: وهل هو اعتدى على سلامة أحدهما أو كلاهما؟ للأسف نعم يا أبي، هكذا رد سهم وأن ذلك ما حدث من فهم وزميلاه بحق الزوجين، والآن هم الثلاثة في السجن بجرم تعدّيهم على شرف وتدنيس عِرض الزوجة بعدما ضربوا الزوج، فقد اعتدوا على الزوجة وحدث ذلك قبل بضعة أيام على شاطئ البحر، فوقف الأب غاضباً وسائلاً: أصحيح ما تقوله يا سهم؟ فرد عليه: يا أبي، ليس من عادتي الحديث مع أي إنسان عن تفاصيل عملي وأنت تعرف هذا جيداً كما تعرفه أمي أيضاً، لكن اليوم أجد نفسي مجبراً على إعلامكما ببعض جوانب هذه القضية لآخذ رأيكما في الأمر نتيجة موقفي منها وأحد المتهمين فيها هو أخي، فعاد الأب ليجلس ويطلب إلى ولده مواصلة حديثه، فقال: منذ أن وقعت هذه الحادثة على الزوجين ونحن نبحث بسرية تامة عمن يكون هؤلاء المجرمين الذين سوّلت لهم أنفسهم التعدي على حرمات الآخرين، وتوصلنا للأول منذ أيام وتكتمنا على الأمر كي ننهي بحثنا عن الآخران حتى تم الكشف عنهما اليوم، وكان أخي فهم أحدهما، فسأله والده: وهل الجرم تم فعلاً منهم في حق المرأة؟ فأجابه: نعم وهم الثلاثة اعتدوا عليها كما ضربوا الزوج ضرباً مبرحاً وأن ذلك ثابت في أوراق القضية، ولا يمكن أن تساق التهم إلى الآخرين هكذا جزافاً وأن النتائج وما هو ثابت في الأوراق تؤكد كل مضامينها ذلك الاعتداء السافر والمقزز من الثلاثة في حق الزوجين، فاستشاط الأب غضباً على ابنه تحديداً الذي لوّث شرف المرأة مؤكداً أنه لا بد من عقابهم وعدم التساهل في مجازاتهم الجزاء الأوفى الذي يستحقونه جزاءً لفعلهم، فاسترسل سهم بالحديث قائلاً: وهذا ما جئتكما لأجله مؤكداً لهما بأنه ضمن طاقم العمل المعني بالكشف عن هذه القضية وهو يطلب رأيهما حول استمراره أو تنحيه عن الموضوع، فأدار الأب ظهره لسهم وسأله: وهل لو كنتَ متزوجاً واعتدى ولو أخوك على زوجك، أكان يمكن لك أن تسامحه وتنسى الأمر وكأن شيئاً لم يحدث، أو أن أحدهم اعتدى على شقيقة لك؟ فتردد سهم في إعطاء الجواب، لكنه أجاب بأنه لا يمكنه التغاضي عمن يقدم على مثل هذه الأفعال، وواصل بالقول: لكن يا أبي لم أهدف بطبيعة الحال من وراء ذلك مساعدة فهم بل لأجل استمرارية التحقيق في الموضوع أو الابتعاد عن القضية وأطرافها، وهنا تدخلت والدته: ولو يا ابني، عليك أن تكون أكثر ثقة بالنفس وأن تواجه مختلف العقبات بروح من الصبر والتحمل وأن تؤدي عملك بما يرضي الله ثم جهة عملك، وبما يريح ضميرك وعليك أن تقف في وجه أي مخطئ بقوّة القانون وبحكم وظيفتك، حمايةً للحق وإحقاقه وإنصاف المتضرر وجبر ضرره، وتدخّل والده يشرح له ما تعرّض له ووالدته في بداية زواجهما من محاولة اعتداء مماثلة بالتي فعلها فهم ورفيقيْه، حاثاً إياه بمواصلة عمله مع طاقم العمل وكأن فهم لا يعني له شيئاً سواء من قريب أو من بعيد، مؤكداً له بأنه يؤدي واجبه بصرف النظر عمن يكونا طرفا النزاع، ومقترحاً عليه بأن يتجنب مواجهة أخيه بشكل مباشر حتى لا يكون ثمة حرج عليه خلال تعامله مع الموضوع، على أن يؤدي عمله في القضية بطريقة لا تثير حساسية له مع أخيه متمنياً له التوفيق والعقاب الرادع لهؤلاء المجرمين.

إذاً انتهت جلسة الحوار بتشجيع وحث الوالدين على استمرار سهم وزمرته في الكشف عن القضية الموكولة إليهم حتى النهاية، وتوجه سهم صباح اليوم التالي لعمله بهمة وعزم مستنداً إلى مباركة ودعم وتشجيع والديه له في مضيّه بمواصلة العمل في هذه القضية، حيث وما إن وصل مكان عمله إلا وتوجه من فوره إلى رئيسه يبلغه وهو باشّ الوجه مسرور البال باستمراره ضمن طاقم العمل على أن يكون بعيداً عن الإجراءات التي تتعلق بأخيه، فتقبّل رئيسه منه ذلك مباركاً له شجاعته وعزمه ونزاهته وإخلاصه ومقدراً ظرف عدم تعامله المباشر مع أخاه خلال فترة عملهم في القضية وحتى مرحلة التقاضي والحكم النهائي فيها، ثم طلب رئيس طاقم العمل عقد اجتماع لمناقشة ما يتوجب فعله واتخاذه من إجراءات لمرحلة ما بعد التوصل للجناة والقبض عليهم، موجهاً في الوقت عينه شكره وتقديره لمعاونيه لما حققوه من نتائج طيبة خلال فترة وجيزة من وقوع الجرم التي انتهت بالقبض على المتهمين الثلاثة، وتم وضع خطة عمل للمرحلة المقبلة، فتهللت الأسارير فرحاً وازداد الطاقم حماساً بأن جهودهم أخيراً قد كُللت بالنجاح، متضرعين إلى الله تعالى شكراً وحمداً وثناءً له جل جلاله، وبانتهاء الاجتماع يفترق المجتمعون لمواصلة أعمالهم وفي هذه الأثناء يرِد لسهم اتصال هاتفي من والده وبالرد عليه والحديث معه طلب إليه دعوة همام وهيام للمنزل متى ما ناسبهما الوقت واليوم لذلك دون أن يبيّن له السبب فوعده بمناقشة الأمر معهما والرد عليه، وانتهت المكالمة بينهما وسهم في حيرة من أمره عن سبب هذه الدعوة التي جاءت فجأة من أبيه للمجني عليهما كما لم يجرؤ هو على سؤاله عن الأسباب من هذه الدعوة.

وخلال أقل من يومين ها هي قضية فهم وزميليه قد تم استكمالها من قبل طاقم العمل لتحال مباشرة مع المتهمين للجهات القضائية، حيث وبمثولهم أمام سلطة التحقيق تم سؤالهم عما نسب إليهم من اعتداء على همام وهيام، وكما هو متوقع منهم لم يأتوا إلا بالأمانيّ ومحاولة دحض التهمة عن أنفسهم والادعاء بعدم علمهم وعلاقتهم عما يُسْألون عنه، يحدث هذا النفي منهم رغم ما هو ثابت ضدهم في القضية ورغم تعرّف همام عليهم الواحد تلو الآخر وتأكيده المطلق بأنهم من تعرضوا له وزوجه، وتمكُّن هيام من التعرف على فهم الذي كان أول من أمسك بها حسب ما أخبرت به الشرطة وأكدته أمام سلطة التحقيق، وفي المبنى الخاص بجهة التحقيق التقى سهم بالزوجين الذي وجد هذا اللقاء فرصة سانحة طيبة للتحدث إليهما حول رغبة والده بلقائهما، لكنه ونظراً لعدم تمكنه من التحدث إليهما بسرية دعاهما للحضور إليه في مكتبه بعد انتهاء أسباب طلبهما لدى جهة التحقيق في حال كان الوقت يسمح لهما بذلك، فوعده همام بتلبية طلبه والاتصال به إن تعذر حضورهما وتحديد موعد آخر لذلك، وهو وزوجه حتى اللحظة يجهلان الصلة بينه وبين فهم، ومع آخر ساعة ونصف من نهار عمل ذلك اليوم ها هما الزوجان أمام سهم في مكتبه، والذي بدوره رحّب بهما مستقبلاً لهما بسعة بال ورحابة صدر وابتسامة نقية طيبة، وبعد حديثه معهما ومباركته لهما بمستجدات قضيتهما قدّما بدورهما له وزملاؤه شكرهما وامتنانهما على ما بذلوه في قضيتهما، ثم أعلمهما بأن شخصاً عرف عن قضيتهما يريد لقائهما وأن لهما أن يختارا الزمان المناسب لهما دون المكان مبيناً لهما سهم بأن صاحب الطلب بلقائهما يدعوهما لمنزله، فسألاه عمن يكون وما حاجته، فرد عليهما بأنه عمن يكون فهو والده أما الغرض من طلب لقائهما فهذا ما لا يعرفه حتى الآن، فاتفقا على أن يكون ذلك مساء اليوم إذا لا يتعارض مع وقت والده وحينها اتصل سهم بأبيه مباشرةً وحدد معه الموعد بأن الزوجين سيأتيان إليه بعد صلاة العشاء، ومن حسن طالَع الجميع بأن اليوم التالي سيكون إجازة نهاية الأسبوع، وأن أي منهم لن يؤثر ذلك عليه لعدم ارتباطه بعمل رسمي باستثناء سهم الذي قد يواصل عمله ولو بشكل غير مرتبط بوقت معين، فتم الاتفاق على ذلك وغادر الزوجان همام وهيام مكتب سهم لشئؤونهما حتى اللقاء مساءً بعد أن عرفا منه مكان البيت استعانة بخريطة دليل الموقع، وعاد سهم للبيت ودخل على أباه في غرفة المكتب فوجده يقلب صفحات قانون الجزاء فلم يشأ أن يقاطعه بل استأذنه بالمغادرة وهو في تساؤل ذاتي من أمر والده بتصرفه الغريب من حيث دعوته لهمام وزوجه ومطالعته على غير عادته لقانون الجزاء، وفي هذا التوقيت تحديداً، فما هو قصد شهم من لقاء الزوجين خاصة وأنه في نهاية الأمر هو والد فهم ويعي أن عقوبة قصوى قد تواجهه نتيجة جرمه الجسيم بحق الزوجين، فهل بدأت مشاعر الأبوّة تتحرك في داخله وأن دعوته للزوجين ما هي إلا للتأثير عليهما أو مساومتهما على مسار القضية؟ وما موقفه أمام ابنه سهم وهو قد أيده حين طلب رأيه بمواصلة عمله في القضية بكل أمانة وإخلاص ولو ضد أخيه وعدم تخليه عن مبادئه ونزاهته؟ أم أن ما أكده له هو بمثابة دعم منه له لأداء عمله وحال لسانه يقول لكن ليس نحو فهم؟ وهل يعني ذلك أن شهم قد نسي وتجاوز أزمته وزوجه قبل أكثر من ثلاثة عقود والتي تعرضا لها وهما اللذان لم يصبهما مثل ما أصاب همام وهيام وتغلبت هنا عليه مشاعر الأبوّة ليقف نداً لهما مع ابنه المجرم؟ أسئلة كثيرة تدور في الأذهان نتيجة هذه الدعوة المريبة من أب ابنه متهم بجرم منكر في حق من وجّه لهما هنا الدعوة ومراجعته الخفية للقانون، لكن لا شك أن مقبل الأيام ستجد أجوبة لهذه الأسئلة وسيتبين من غير جدال خيطها الأبيض من خيطها الأسود.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights