تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

بالصمت نتجاوز الحماقات

 ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي

هِمم الرجال تسمو إلى أعالي الجبال، فتقتدي بهم الأجيال لتحذو حذوهم، ولكلّ مِنّا أجلٌ ووقتٌ محدد، ودعوة لا بُدّ منها ولا مفرّ من هذه الآجال، والسعيد من يختمها بخير، والشقيّ من يختمها بشرٍّ وسوء حال، وإن هناك من البشر من ينظر بقلبه قبل عينه، وهذا يدلّ على ما في قلبه، فتعكس العين ما في القلب، والقلب كالإناء ينضح بما فيه، وكما يقال: كُن جميلاً ترى الوجود جميلاً، أما من ابتُلي بآفة الحسد وسواد القلب، فهو يحاول أن يكدر صفو غيره، لأن قلبه يلتهب ليل نهار على فلان وعلى علّان، وماذا فعل فلان وماذا ترك علّان، فيكثر السواد على هذا القلب بسبب معاصي الحسد والحقد الدفين المترسب، فيطغى على ذلك القلب، فذلك هو الران، وفي الحقيقة أن فلان وعلان وفقهم الله وفتح عليهم من مواهب فيضه وكرم عطائه، فلماذا تحسد غيرك وترجو زوال ما عنده وتحاول تشويه سمعته بل وتشهّر بذلك، وبهذا أنت تثبت للجميع بأنه خيرٌ منك، والدليل على ذلك أنه لم يصغِ إليك أحد، نافِسهُ فيما يفعل إن كُنت تستطيع، نافِسهُ في فعل الخير، فالحسد لا يزيدك إلا غمّاً أو مرضاً.

اِسأل الله أن يهبك كما وهبه. اِعتبِر وتفكّر في ساعة الرحيل.
تدارك وقتك قبل دنوّ الأجل، فأنت لا تجني بهذا العمل إلا الأوزار، قال الله تبارك وتعالى {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} الآية 88 من سورة الشعراء. فكيف يكون هذا القلب سليماً إذا تراكمت عليه الأدران، إن الترفع عن سفاسف الأقوال والأعمال من شيم الكرام، ومن ديدن الأعلام، والمعروف لا يُعرّف، فمن اختار لنفسه التوشح بالهمم فقد بلغ القمم، ومن اختار لنفسه أن يكون نكِرة بلا مبدأ ولا هوية ولا اسم، بل يتخفّى خلف أسماء تافهة مستعارة ليبث من خلالها سمومه فهو نكِرة، وهذه الكلمة قد حوَت كل معاني النقص، فمِن الغباء بمكان التسرع في إطلاق الشائعات، فالناس ليسو أغبياء إلى هذا الحد لكي يلتبس عليهم الأمر. وبالمواقف تنكشف معادن الرجال، كما أنه بالمواقف أيضاً تنكشف خصال النساء، فكيف يكذب الواحد كذبة يصدقها بنفسه ثم يبثّها للناس، إن الحاسد أسير سواد قلبه وحقارة نفسه، وبالتالي ينعكس هذا السواد وتنعكس هذه الحقارة على الوجه فيبديها اللسان، وقد فصّلنا ذلك من قبل في مقالنا (براكين الصمت).

ونسأل الله أن يشفي كل من ابتُلي بهذه الآفة.
ولا شك أن العلاج الناجع لها هو التقيد بذكر الله والرضا بما قسم الله والمُضيّ قُدماً إلى ماعند الله، وهذه المسألة مرهونة بسلامة القلوب وطهارة النفوس، وينبغي التجرد من آفة الحسد فالحياة لا تدوم لأحد، وقد رُوي أن أحد الحكماء قال لابنه:
يابنيّ، إن علاقتنا مع الناس تدوم وتستمرّ بالتغاضي، وتزاددُ انسجاماً بالتراضي، فبالابتسامة نتجاوز الحزن، وبالصبر نتجاوز الهموم، وبالصمت نتجاوز الحماقات، وبالكلمة الطيبة نتجاوز الكراهية.
تميز بما شئت، ولكن لا تتكبر أبداً، اكتب ما شئت، ولكن لا تستفز أحداً، انقد كما شئت ولكن لا تطعن أحداً.

روعة الإنسان ليس بما يملك بل بما يمنح، انتهى كلام الحكيم، فامنح لنفسك جمال الرقيّ في الحوار، وتخلص من كل ما هو ضار، وتجنب آفة الحسد فإنها عار وشنار، ومكسبة للآثام والأوزار، وقانا الله وإياكم جميعاً من شر ذلك.
وقد صدق الإمام الشافعي بقوله:
قالوا سكتَّ وقد خوصمتَ قلتُ لهم
إن الجوابَ لباب الشر مفتاحُ
والصمتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ
وفيه أيضاً لصونِ العرضِ إصلاحُ
أما ترى الأُسد تُخشى وهي صامتةٌ
والكلبُ يخسى لعمري وهو نباحُ.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights