رجولتي.. وغضبكِ
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ مساعد بجامعة Unishams
تُبنى الأسر المستقرة على قواعد وأسس متينة يتفق عليها الأبوان أولا ثم تنتقل للأبناء من خلال الخبرات والممارسات لمواقف يومية، ولا شك أن التعلم بالملاحظة له قوة سحرية جذّابة قد لا ينسى أثرها من حضرها وشاهدها في حين قد ننسى أحيانا ما تعلّمناه في سياقات أخرى لمواقف متنوعة.
والأسر التي تراعي تلك الأسس المتينة منذ الوهلة الأولى ستخرّج أجيالا يعتمد عليها الوطن في بناء مؤسساته والنهوض بها، وستصبح تلك الأجيال لبنات فعّالة في رقي حضارته وتحقيق تنميته، وهذا بدوره سيتطلب –بلا شك- التزامات كثيرة تقع على كاهل رب الأسرة أمّا أو أبا؛ حيث إنهما يعدّان بالنسبة -لأبنائهما- القدوة الأولى التي تؤثر في تربيتهم وتنشئتهم تنشئة قويمة من خلال العلاقة التي تنمو وتترعرع بينهما.
ومع مرور الزمن، ومن خلال تداخل ما قد يطرأ على الحياة الأسرية من مواقف وممارسات وبعض المشكلات الطارئة أمام أفراد الأسرة؛ ويترتب على ذلك أحيانا تنوع الرؤى وتمسك كل واحد برأيه، الأم ترى أن رأيها هو الصواب، والأب يرى أن رأيه هو الأصوب؛ ومن ثَمَّ يبدأ الشقاق؛ أصوات عالية.. رأي أوحد.. لا سماع ولا استماع.. هجر وفراق.. وينتج عنه هذا وذاك غضب شديد قد لا يرى صاحبه لمسة جمال كان يراها في الآخر قبل ذلك، بل يزداد الأمر أكثر، فلا يتذكر أحد لأحد معروفا كان أو عرفانا.
ومع مرور الوقت يزداد الأمر صعوبة، اختلاف بسيط أدى إلى خلاف وشقاق، وقد يصل الأمر في بعض الأسر إلى الفراق (الطلاق) بسبب كلمة يتفوّه بها أحد الأبوين كأنْ تستثير الزوجة رجولة زوجها، فتقول له: (إن كنت رجلا فطلقني فلا أستطيع البقاء معك أكثر من هذا) أو نحو ذلك، والزوج في دهشة وذهول من موقف زوجته الذي لم يتوقعه.
وقد يقسو الزوج أحيانا على زوجته إثر أحاديث تشرّبت بالغضب والانتصار لرجولته؛ فيغضب زوجته حين يقول لها: (أنت طالق.. اذهبي إلى بيت أبيك.. لا أريدك في البيت فأنت كذا وكذا) ونحو ذلك من سهام قاتلة تقع على قلب زوجته كالصاعقة، وهي في صمت وذهول أيضا من تسرع زوجها وغضبه الشيطاني.
ولا شك أن هذه الصورة وأكثر قد تدمر أسرا بأكملها بسبب الغضب الشديد الذي جعل الأبوين كليهما في حالة نفسية متردّية نتج عنها هدم لبنات البيت الأسري الجميل، هذا السكن الذي تأسس على المودة والرحمة انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (الروم:21)، والنتيجة لا سكن.. لا مودة.. لا رحمة..
ولو تريّث أحد الزوجين في قراره، وتدبّر تلك الوصية التي أوصانا بها رسولنا الكريم صلوات ربي وتسليماته عليه التي رواها سيدنا أبو هريرة –رضي الله عنه-:”أنَّ رَجُلًا قالَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ. فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ”. (صحيح البخاري: 6116)؛ لما حدث ما لا يحمد عقباه، ولكن هيهات هيهات بين القول والفعل!
وليس صمت الزوج عندما استثارته زوجته دليلا على ضعفه، بل هو لم يرد أن يظهر رجولته تحت تأثير غضبها، والأمر كذلك مع الزوجة الصابرة التي بقيت في ذهول عندما استشعرت غضب زوجها وعدم قدرته على التحكم في كلماته إيذانا بالفراق.
وكأنّ لسان حالهما ليتنا التزمنا الصمت! ليتنا تذكّرنا المعروف بيننا! أين ذلك الميثاق الغليظ القائم بيننا على المودة والرحمة؟ أين نحن من وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- للرجل: لا تغضب؟ ليتنا كذا وكذا.
أسئلة تتراءى من هنا وهناك، لكن نحن بحاجة إلى هدوء.. وبخاصة الأزواج، وكان الله في عون زوجاتنا؛ فالأعباء كثيرة، والمسئوليات أكثر، ولا ننسى أن الرجولة الحقة في أن نتحملهن ونصبر عليهن، فلا ندّ لندٍّ، ولا رجولة أمام غضب، فكم من لطف أزال شقاقا، وكم من بسمة كانت شفاقا!