وقفة مع سورة العنكبوت

د. حميد أبو شفيق الكناني

سورة مكية في تسع وستين آية بالإجماع، بدايتها مميزة :
{الم ¤أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}.
و نهايتها مبرزة:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
البداية مشهورة والنهاية أشهر واسمها أكثر علمية من مضمون مباحثها.
انفردت بخصائص خاصة، فهي إحدى السور التي تبدأ بحرف مقطّع وعلى خلاف المعتاد لا يلي الحرف المقطع ذكر الكتاب الحكيم، طبعاً تشترك معها في هذه الميزة لاحقتها سورة الروم.
وهي السورة المكية الوحيدة التي فيها آيات النفاق وهذا خلاف القاعدة، فمن علامات السور المدنية وجود آيات النفاق والسور المكية لا.
اسم السورة مأخوذ من الآية المشهورة:
{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
هذه الآية التي تحولت إلى مَثل يحفظه الناس في الصدور ويخطونه في السطور.
وصارت العنكبوت مثلاً للهون والهوان، وفي الآية عبرة أخرى هي قصة أنثى العنكبوت الأرملة السوداء التي تغتال زوجها ليلة الزفاف، وتمضي الأيام والليالي وعلى الباغي تدور الدوائر وكما تدين تدان.
مضمون السورة تذكيريّ، فهي سورة تاريخية يغلب عليها السرد القصصي التقليدي لقصص الأنبياء عليهم السلام، بداية من قصة الطوفان مع النبي نوح عليه السلام {فَلَبِثَ فيهِم اَلْفَ سنةٍ الاَّ خَمسينَ عاماً فأخذهم الطوفان}
ومروراً بأبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومعه النبي لوط، ثم ضيف إبراهيم الرسل المرسلون، ثم النبي شعيب، وكل الحكاية في آية و آية، ثم عاد قوم هود وصالح في ثمود وكل الرواية في آية، وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فكان ما كان وجرى ما جرى.
وينتهي القصص ولا تنتهي السورة بهذا الموجز.
ومما ورد في السورة إثبات أميّة النبي صلى الله عليه وسلم في آية صريحة:
{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}.
العنكبوت ٤٨.
وبنفس الصراحة والبيان ورد نفي أميّة النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الفرقان:
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} الفرقان ٥.
والله أعلى وأعلم.
ولا خلاف بين سورة العنكبوت وسورة هود في أن الخلاق هو “الرزاق ذو القوة المتين”. سوى أن الآية في الأولى جاءت في نهاية السورة:
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةࣲ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} العنكبوت ٦٠.
و الآية في الثانية جاءت في بداية السورة:
{وَمَا مِن دَآبَّةٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِى كِتَٰبٍۢ مُّبِينٍۢ} هود ٦.
وطبق العادة نبحث في كل سورة عن كلمة لم ترد إلا فيها، وقد وردت كلمة العنكبوت مرة واحدة في القرآن الكريم.
ومن الآيات متشابهات البداية التي وردت في السورة:
{وتلك الأمثال نضربها للناس} وردت مرتين في القرآن:
العنكبوت ٤٣
الحشر ٢١
ووردت في السورة:
{ووصينا الإنسان بوالديه} ثلاث مرات في القرآن:
العنكبوت ٨
لقمان ١٥
الأحقاف ١٤
ووردت في السورة:
{كل نفس ذائقة الموت} ثلاث مرات في القرآن:
آل عمران ١٨٥
الأنبياء ٣٥
العنكبوت ٥٧
وتنتهي السورة بالتبشير بعدما بدأت بالإنذار، نهاية تشبه نهاية سورة النحل التي يبلغ عدد آياتها ضعف آيات سورة العنكبوت تقريباً.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}العنكبوت ٦٩
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوا وَالَّذينَ هُم مُحسِنونَ}.
النحل ١٢٨

فقلت لا تحزن إن الله ثالثنا
وكنت في حجب ستر منه منسدل
والعنكبوت أجادت نسج حلتها
فما يخال خلال النسج من خلل.

1446
سنة جديدة ربما سعيدة