تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

لا تسألوا عن أشياء ..

إبراهيم بن علي الشيزاوي

في أواخر المرحلة الابتدائية من التعليم، أرشدنا معلم اللغة العربية إلى نصٍّ لكتابته كواجب منزليّ، فسأله أحد الطلبة: كم مرة نكتبه؟
– فقال: سبع مرات.
– قلت: ليته سكت.

ليتَ من أخوات إنّ، وهي تفيد التمنّي، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه؛ لم يسكت الطالب ولم نسلم – نحن – من تكرار الكتابة.

الكثير من الأمور الحياتية قد تبدو سهلةً لا يشوبها أيُّ تعقيد، حتى يأتي من يسأل عن تفاصيل، الجهلُ بها لا يورِثُ أيّ مضرّة، والمعرفة بها لا تأتي بمنفعة، على العكسِ من ذلك، فقد يكون من الضرر معرفة التفاصيل، ومن الأفضل الأخذ بالخبر المختصر كما جاء.

بنو إسرائيل قد خلّد الله خبرهم في سورةِ البقرة، أمرهم سبحانه وتعالى على لسان نبيه موسى بأن يذبحوا بقرة، كان الأجدى لهم والأجدر بهم أن يأتوا بأيّ بقرة فيذبحوها، ولكنهم سألوا تعنتاً: {قالوا ادعُ لنا ربك يبين لنا ماهي}، {قالوا ادعُ لنا ربك يبين لنا ما لونها} ثم {قالوا ادعُ لنا ربك يبين لنا ماهي إن البقر تشابه علينا} فرد عليهم المولى سبحانه وتعالى: {إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها}. مواصفاتٌ نادرة لم يجدوها إلا عند امرأةٍ عجوز تعيل أيتاماً فباعتها لهم بوزنها ذهباً.

ذات مرة كان النبي عليه أفضل الصلاة والسلام جالساً مع أصحابه، فجاءه رجل يسأل عن صحة نسبه لأبيه، فغضب النبي – صلى الله عليه وسلم – من سؤاله وقال له: أبوك فلان الذي تُنسب الآن إليه. تقول أم هذا الرجل:
والله ما رأيت ابناً عاقاً مثله، فلو أني اقترفتُ ذنباً في الجاهلية لفضحني بسؤاله هذا أمام الملأ. رواية أنس بن مالك، جامع الترمذي.

وأقول: لن يفضحك أمام الملأ فحسب، بل خُلّد سؤاله وقد وصلنا خبرهُ بعد الحادثة بألف وأربعمائة سنة.

نداء ربّاني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } المائدة/ 101.

بعض الاسئلة لا تفيد السائل في شيء، وربما تسبب الكثير من الحرج للشخص المسؤول، لذلك فإن الحصيف من يتجنب السؤال فيما لا يفيده ولا يعنيه، وكثير السؤال تستغثّه نفوس البشر ولا تطيق مجالسته، ففي جلسته نبش عن الخبايا، وتدخُّل في الخصوصيات، وكشفٌ عن بعض ما لا يجب كشفه.

لا تسأل:
عن شخص توفي في حالة وفاة غير طبيعية، فذلك يحرج أهل المتوفى ويزيدهم مصيبة على ما هم عليه من مصيبة الفقد، فلطفاً بأوجاعهم.

لا تسأل: موظفاً عن راتبه وعن مدخوله الشهريّ، فإن راتبه له، وليس لك نصيب منه، فاحفظ كرامتك.

لا تسأل: من تأخر في الزواج لماذا لم تتزوج؟ فإنك من المؤكد لن تكون “خطّابة” لتجلب للفتاة الزوج الصالح، ولن تكون “الكريم” الذي يتكفل بمصاريف الشابّ في زواجه.

لا تسأل: من تزوج ولم يُرزق بالذرية عن الأسباب، وهل ذهب إلى العلاج أم لم يذهب، ذلك أمر لا علاقة لك فيه طالما أن صاحب الشأن لم يستشرك به.

لا تسأل عن كل أمر لا يعنيك، اهتم بنفسك، لتتعرف على حياتك جيداً، فإن ذلك أدعى بأن تحلّ مشكلاتك.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights