الهدر في التدريب
د. صالح بن خليفة الشعيلي
كثيرون يدركون أهمية التدريب للمؤسسة وللفرد، فهو يعزز الكفاءة في الأداء، من خلال ما يكتسبه المتدرب من معارف ومهارات تعزز وترفع مستوى أدائه لمهام ومسؤوليات الوظيفة التي يعمل بها، وبالتالي ينعكس على الأداء المؤسسي، وتحسين صورة المؤسسة أمام أصحاب المصلحة بمختلف مستوياتهم ومواقعهم وباختلاف مصالحهم، إلا أنه في حالات كثيرة قد يشوب عملية التدريب بعض جوانب النقص مما يعد هدرا يستنزف موارد المؤسسة المالية والمادية والبشرية.
ويتمثل هذا الهدر في أشكال وصور متعددة أهمها:
– الهدر في الجهد: يستنزف الفرد جهده وطاقته في برنامج تدريبي فيما لا يعود بالنفع عليه أو على المؤسسة التي يعمل لها.
– الهدر في الوقت: ويكون ذلك من خلال ما يقضيه المتدرب من زمنه أو زمن المؤسسة في برنامج تدريبي في الوقت الذي كان من الأجدى استثمار هذا الوقت في إنجاز أعمال أخرى ذات أولوية متقدمة.
– الهدر في المال: من خلال التكلفة المالية التي يدفعها الفرد أو تدفعها المؤسسة في برنامج تدريبي من ميزانيتها في برنامج تدريبي كان من الأنسب توجيه هذا المبلغ في بند آخر أكثر فائدة ونفعا.
ما هي مسببات الهدر؟
يكون الهدر لأسباب عدة ولكن يأتي على رأسها سبب رئيسي وهو الذي سنتطرق إليه اليوم وهو بناء خطة البرامج التدريبية على غير احتياج تدريبي فعلي.
فعلى المستوى الفردي: على سبيل المثال كأن يلتقى أحدهم بزميل له كان قد التحق ببرنامج تدريبي فينقل له تجربته وبأن هذا البرنامج قد حقق لديه مستوى عاليا من الرضا، لامس احتياجا تدريبا فعليا لديه، مما يؤدي إلى تولد قناعة لدى الطرف الآخر (المتلقي) للالتحاق بنفس البرنامج، ليس لاحتياج تدريبي لديه وإنما بسبب قوة الكلمة التي قالها زميله في البرنامج التدريبي (تسويق غير مقصود وغير مباشر للبرنامج التدريبي)، فيستنزف جزءا ثمينا من ماله ووقته وجهده دون أن يتحصل على عائد تدريبي آني، مع الأخذ في الاعتبار بأن التعلم عملية مستمرة، فحتما سوف يستفيد من مخرجات هذا البرنامج ولكن لاحقا وبطريقة لم تكن مستهدفة.
أما على مستوى المؤسسة فإن الأمر أعظم من ذلك، فعلى الرغم من وجود منهجيات وطرق عملية علمية مقننة لتحليل وتحديد الاحتياج التدريبي إلا أنه يتلاحظ لدينا من خلال البرامج التدريبية التي ننفذها بأن عددا منها لا يلبي احتياجا تدريبيا فعليا، وهذا الأمر ينكشف لنا من خلال:
– تصريح بعض المستهدفين من البرنامج التدريبي بأن أهداف البرنامج التدريبي لا تمت بصلة إلى مهامهم مسؤولياتهم الوظيفية.
– أو أنهم قد سبق لهم وأن التحقوا بنفس البرنامج التدريبي.
– كما أن بعضهم يمتلكون كفايات وقدرات أعلى بكثير من مستوى البرنامج.
– ومن الحالات أيضا أن يكون من بين المستهدفين من يكون مرتبطا بتنفيذ ومتابعة مهامهم ومسؤولياتهم الوظيفية أثناء فترة انعقاد البرنامج التدريبي، مما يستدعي منهم تكرار الخروج من الجلسات التدريبية، أو الرد على الاتصالات الهاتفية أو التأخر في الحضور أو الخروج المبكر، وفي حالات الانسحاب في منتصف فترة انعقاد البرنامج التدريبي.
– أيضا يكشف لنا التقييم القبلي (الاختبار القبلي) للمشاركين مدى تباين مستويات المستهدفين المعرفية والمهارية في موضوع البرنامج التدريبي، وهذا ما يشير إلى أن الاحتياج التدريبي لم يكن مبنيا على أسس منهجية.
– ويؤكد بعضهم بأن مسؤوله المباشر لم يطلعه مسبقا على ترشيحه لهذا البرنامج التدريبي لكي يبدي رأيه.
هذه المشاهدات الميدانية التي نشهدها في كثير من البرامج التدريبية تشير مؤكدة وبشكل مباشر بغياب المنهجية العلمية للتخطيط السليم للإنماء المهني لمنسوبي المؤسسة، وأن تحديد البرامج التدريبية لم يكن احتياجا متسقا مع أهداف وغايات المؤسسة وغير متسق مع هياكلها التنظيمية، وبعيدا عن الأخذ في الاعتبار الكفايات التي يمتلكها الموظف ومدى ملائمتها وكفايتها لإنجاز المهام والمسؤوليات الوظيفية المكلف بها بمستوى يحقق أهداف وغايات المؤسسة.
كما أن هذه المشاهدات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن القرار لإدراج بعض البرامج التدريبية في الخطة جاء نتيجة العلم بأن مؤسسة أخرى قامت بتنفيذ البرنامج لعدد من منسوبيها وحقق أثرا وعائدا تدريبيا ممتازا، ولم يؤخذ في الاعتبار أمور أخرى منها اختلاف نشاط تلك المؤسسة وأهدافها وغاياتها وقدرات وكفايات العاملين بها.
وبهذه الممارسات غير الحميدة فإن المؤسسة:
– تهدر جزءا من مواردها المالية وتنفقه إنفاقا غير رشيد وغير محوكم وفي غير محله.
– تهدر جهدها وجهد منسوبيها المستهدفون للالتحاق بالبرنامج التدريبي جهدا كان من الأولى توجيهه وتوظيفه لإنجاز أعمال أخرى.
– تهدر وقتا ثمينا من وقت منسوبيها ووقتها كمؤسسة تكون في أمس الحاجة إليه في جوانب ذات أولوية.
– تهدر موارد مادية كشغل القاعات التدريبية في حالات تنفيذ التدريب داخل المؤسسة وما يستتبع ذلك من شغل كثير من المرافق المساندة، والأجهزة والآلات والمعدات.
ولكي يتم تجنب هذه الهدر ويكون التدريب ذو عائد وأثر فعال فإنه يقترح:
1- أن يتم ترسيخ وتعزيز القناعات لدى قيادات الصف الأول والصف الثاني بضرورة التدريب وأهميته في رفع مستوى أداء المؤسسة، وتحسين الخدمات التي تقدمها للمستفيدين ولأصحاب المصلحة، وفي تحسين المركز المالي للمؤسسة ولتجنب الخسائر ومضاعفة أرباحها، ويتحقق ترسيخ وتعزيز تلك القناعات من خلال التدريب والندوات والمحاضرات واللقاءات التي تسلط الضوء على ضرورة التدريب وأهميته للفرد والمؤسسة.
2- أن يتم تحليل وتحديد الاحتياجات التدريبية وفق المنهجيات والطرق العلمية.
3- إلحاق القائمين على بناء خطط الإنماء المهني لمنسوبي المؤسسة ببرامج تدريبية تؤهلهم للقيام بتحليل وتحديد الاحتياجات التدريبية.
4- الاستعانة ببيوت الخبرة أو شركات ومكاتب متخصصة في الاستشارات في هذا الجانب، وإن كنا نميل إلى أن تكون الأولية إلى تطبيق المقترح رقم (3).
5- التأكد من تفريغ المستهدف/ المستهدفين من مهام ومسؤوليات وظائفهم خلال فترة انعقاد البرنامج التدريبي.
6- ربط الالتزام والانضباط في البرنامج التدريبي بحوافز ومكافآت للمجيدين، وجزاءات لغير الملتزمين، ويتم الاحتكام إلى ذلك من خلال توظيف أدوات مختلفة كالاختبارات والملاحظة واستمارات التقييم والمناقشات ونقل أثر التدريب إلى زملاء العمل، وهذه الإجراءات تعمل بها بعض المؤسسات.
7- التعاقد مع مؤسسات تدريبية ذات خبرة وسمعة جيدة توفر مدربين متخصصين ذوي كفاءة عالية.
8- تخصيص المخصصات المالية الكافية لتنفيذ خطط التدريب وفق أعلى المستويات.
كلمة تقدير وإعجاب نسجلها لتلك المؤسسات التي نلمس فيها المهنية والاحترافية في إعداد خططها التدريبية، مما ينم عن فكر واع مستنير ورأس مال بشري تمتلكه تلك المؤسسات.