من أسرار براري محافظة ظفار
بقلم الدكتور/أحمد الشربيني
رائعة هي الحياة البرية في محافظة ظفار؛ فثمة تعايش عجيب بين سكان الجبال وبين الحيوانات المنبثة في أدغالها وجبالها وَمحمياتها البرية، حيث تمتاز الوديان والسهول والجبال بأصناف متعددة من الحيوانات المفترسة والطيور الكواسر والزواحف المتنوعة، والغريب في الأمر أن المواطن الظفاري يتعايش ويتكيف مع تلك الحيوانات؛ فلا يؤذيها بحكم قوانين حماية البيئة، كما أنها لا تؤذيه بحكم الألف والتعايش، وقد صحبت الأستاذ مسلم العمري – وهو واحد من سكان ولاية (مرباط) نيابة (طوي عتيل)- في رحلة لمسقط رأسه، فشاهدنا التنوع البيئي والبيولوجي هناك؛ فمن الحيوانات البرية التي تشتهر بها الولاية الظفارية الذئاب، حيث تتواجد في شتى المناطق؛ كالأودية والمزارع بالعشرات، ويمكنك أن تعاينها وتشاهدها جماعات وفرادى، حتى يخيل إليك أنها تفوق الكلاب البرية عددًا وشيوعاً، بل يلاحظ أنه لا يوجد كلاب برية نهائيا في العديد من مناطق المحافظة، حيث تسود الذئاب التي تسمى بالظفارية (علاب)،
وتكتفي بأكل الحيوانات النافقة من الماشية؛ كالمتردية والنطيحة من الأبقار، وتفترس ما شذ وند من الأغنام والإبل وما أكثرها كل يوم؛ الأمر الذي جعلها تتعايش مع البشر، بل في كثير من الأحيان تغشى القرى وشوارعها نهارا، وتمر مرور الكرام، فلا تعتدي على طفل صغير أو صبي نضير ، ويمتاز الذئب بطول القامة ولونه الرمادي، أما عن الضباع(ثيرين) فحدث ولا حرج؛ فهناك نوعان من الضباع تمتلئ بهم الأودية والسهول، كالضبع المنقط والضبع المخطط، وتتعايش هذه الضباع مع السكان المحليين بشكل ملحوظ، حيث يُشَاهد الضبع كل يوم يغشى أحواض المياة في أحواش المنازل للشرب فيدخل أمام أعين السكان ويخرج في أمن وسلام،
كذلك تكثر الثعالب والأرانب البرية والوشق البري بأعداد غفيرة، كما يتكيف السكان مع الأفاعي الكبرى السامة، ولعل من أشهر الأشخاص الذين يتكيفون مع أفاعي الكبرى ويروضونها، المغامر الظفاري عامر العمري الملقب (بالساموراي)؛ فهو يقوم بتربية واصطياد الأفاعي السامة من الوديان، كما يساهم في استخراجها من جحورها ومن على أغصان الأشجار بحنكة واقتدار دون أن يؤذيها!!
كما تمتاز ولاية مرباط العريقة بمحمية كبيرة ، وهي محمية (جبل سَمحان)، وتحتوي هذه المحمية على بعض أنواع الحيوانات البرية؛ مثل النمر العربي، ويسمى بالظفارية(قظر)، والوعل العربي(بعوش)، وبعض أنواع الغزلان(صعر)، وكذلك الوبر (ثفن)، والأرانب(أرنيب) البرية، وبعض الزواحف؛ مثل أفعى الكبرى السامة.
ومما لاشك فيه أن ذلك التنوع البري الرائع جعل المنطقة وجهة مفضلة لرحلات السفاري حيث يقوم السائحون والمغامرون بزيارة هذه المحمية لاستكشاف الحياة البرية بداخلها والاستماع برؤية الحيوانات البرية المنبثة في أراجائها، كما يمكنك أن تشاهد الفهد لماماً في بعض الأماكن الوعرة، ذلك أن الفهد العربي بطبيعته يركن للهدوء والاستقلالية؛ ومن ثم يبتعد عن البشر فلا يتعرض لهَم إطلاقاً على الرغم من شراسته، لكنه في ذات الوقت قد يهاجم القطعان البرية؛ مثل الوعل البري(بعوش) الذي يتواجد بكثرة، والغزال العربي(صعر)، وتوجد تلك الحيوانات بكثرة بفعل قانون البيئة الذي يجرم اصطياد تلك الحيوانات البرية خاصة الطيور الكاسرة؛ كالصقور(سيكر) والنسور والعقبان(صقر) التي توجد في أعالي الجبال، أو الطيور المغردة؛ كالحمام البري(حيوت) الذي يسكن الأشجار والجبال، واليمام والبجع والنورس على شواطئ بحار محافظة ظفار.
وتبقى الثعابين هي العدو اللدود للمواطن الظفاري في ولاية مرباط، حيث توجد بكثرة في كل الأماكن؛ تشاهدها في المنازل والأحواش والحدائق والجبال والوديان وعند البرك المائية، ومعظمها- للأسف – سام، وكم تسببت في مقتل بعض الأشخاص من الرعيان والفلاحين!!
أما كهوف ظفار فثمة سحر خاص يكتنفها، حيث تنتشر حولها أساطير تتوارثها الأجيال، معظمها يتصل بتواجد الجن والمسحورين، مثل كهف (طيق) الذي يعد ثاني أكبر كهف في العالم، كما أنه يمتاز بعين للمياه الجوفية، كذلك ثمة حفرة إذابة (طوي عتيل) الذي يوجد بها مياه جوفية يصل عمقها إلى ٨٠٠متر، ويمتد عمق هذه الإذابة تحت الأرض إلى ما يقارب ١٠ كيلو متر تحت الأرض، وقد تم استكشاف هذه المسافة عن طريق زوارق مائية من قبل البعثات الاستكشافية، ويعتقد العامة في الفلكلور الظفاري أن تلك الكهوف مملوءة بممالك الجن والشياطين؛ لذا يهاب العوام دخولها فرادى خاصة في الليل، وتعد ولاية مرباط وجهة سياحية يعتادها الزوار من شتى أنحاء العالم لا سيما البعثات الأوربية بشكل عام كل عام لا سيما في موسم الخريف وما تزال جبال ظفار ووديانها تخفي العديد من الأسرار التي تدفع الباحثين العمانيين والشباب المستكشفين إلى دراستها، لا سيما الحفريات المتصلة بالحيوانات المنقرضة؛ مما سيفضي بنتائج علمية فريدة وجديدة من شأنها تغيير التاريخ البيولوجي لمنطقة الجزيرة العربية.