منبر الإنسانية قلبها الصامت لا عقلها الثرثار
ناصر بن خميس الربيعي
تتجلى أسمى الصفات الإنسانية في أن يكون الإنسان إنساناً يتصف بصفات هذا المخلوق الذي كرّمه الله تعالى في كونه أرقى المخلوقات على وجه البسيطة؛ مصداقاً لقوله تعالى {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} الآية 4 من سورة التين.
ونحن نعيش اليوم في عالمٍ يسوده الظلمُ، وصار الناس ينتصرون للظالم أكثر من انتصارهم للمظلوم، أتذكّر مقولة جبران خليل جبران (منبر الإنسانية قلبها الصامت لا عقلها الثرثار) والذي عاش في حالٍ أشبه بحال عالمنا اليوم، فدماؤنا لم تزل رطبة منذ ذلك الزمن.
عالمنا الذي يشهد أكثر الحروب وحشية وضراوة، ومع ذلك يقف هذا العالم المعتوه وقفة المتفرج الذي تجرّد من قيَمه الإنسانية، بل تعدّى قانون الغاب الذي كان مسيطراً عليه، فلم يعد القوي يأكل الضعيف فقط، بل يسلبه حقّ الحياة التي منحه الله إيّاها.
نسمع الكثير من الخطب العصماء على المنابر الشاهقة، فتسعدنا ثرثرة قادة ملكوا مصير العالم، فتحكّموا بحق الحياة لمن يشاؤون، وسلبوها عمّن يشاؤون، نرى مواقف الشجب والاعتراضات في مختلف المنابر والوسائل التقنية، ولكنها كزبد السيل يذهب جفاءً.
إنها فلسطين الأبية مهد الرسالات، الأرض المباركة التي فضحت العالم المنافق على حقيقته التي انسلخ منها منذ سنوات ليقنع النشء بأن العدالة والرحمة والمساواة قيمٌ راسخةٌ في العالم الحديث، فلها الفضل في كشف الزيف الذي ألبسونا إيّاه طوال السنين الماضية، ولا أعجب إلا ممن ما تزال الغشاوة مسيطرة عليه، فيصدّق الوعود التي يطلقها قادة العالم بوجوب محاسبة الكيان الغاصب، وهم يمدونه بكل ما يحتاجه من مال وعتاد.
من الواضح جليّاً أن العالم ينزلق في مستنقعٍ من العنصرية الدينية التي تفتك بكل ما على الأرض من طيبات وزهور، لتبقي لنا الشوك وما يؤلم من الذكريات، فهل لنا بعقلاء يعيدون لعالم الغد رونقه وبريقه؟