الإيجابية(كُن إيجابياً)
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسيّ
مما لا شكّ فيه أن الإنسان لا يعيش بمعزلٍ عن الآخرين، فهو كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر، ويعيش في كنف المحبين، يمنحهم الحُبّ، وينتظر منهم كذلك، ونستطيع أن نجزم أن العيش بدون هذا الأثر المتبادل لا يعطي للحياة قيمة ولا متعة، فما قيمة الحياة بدون أن نكون أشخاصاً إيجابيين.
وهنا نتساءل: ما هي الإيجابية؟ يُنظر للإيجابية على أنها أيّ سلوك يقوم به الأفراد؛ من أجل نفع بعضهم بعضاً، سواء أكان هذا النفع ماديّاً أو معنوياً، ويشمل الإيثار والتعاطف والمسؤولية الاجتماعية، فيكون الأفراد إيجابيين ليس فقط بالإيجابيات والمساعدات، ولكن أيضاً بدحض السلبيات ونفورها، ويتضح ذلك من خلال رفضهم لسلوك اجتماعيّ مُنافي للعادات والتقاليد، وعدم تبنّي كل ما يتعارض مع القيَم والثوابت، كما تكمن الإيجابية في الذاتيّ الرضا في المقام الأول، ثم انعكاس ذلك على المحيطين من تفضيل الغير وتقديم مصالحهم الشخصية على النفس، خصوصاً إذا ما كان الغير بحاجة إلى مساعدة بالنفس أو المال أو حتى الرأي.
إن الإيجابية لها دور مهم في الحفاظ على حياة الإنسان، ومسار ارتقائه وتنشئته وتنشئة أبنائه وصولاً لفهمٍ عميقٍ لجدوى السلوك الاجتماعي الذي يتّسم بالإيجابية مع الآخرين، وتتخذ الإيجابية مسارَين أساسيين: المسار الاستقلاليّ الذي لا يُطلب فيه من الطفل مثلاً في أداء الأعمال إلا برغبته. ومسار العلاقات الذي يشمل شعور الأفراد بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض، فتسود العديد من السلوكيات المرغوبة اجتماعياً، مثل المشاركة والوفاء بالوعود، وتكوين العلاقات الاجتماعية الطيبة، ومساعدة الفقراء والمحتاجين.
والإسلام دين الإيجابية، ودائماً ما يحثّ المسلمين على الإيجابية في العديد من المواضع التي يتواجدون فيها، فنتعلم الإيجابية من عدة نواحٍ، أهمها القرآن الكريم، حيث يأمرنا بالإيجابية كما في قوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ}. آل عمران، الآية 110.
وفي هذا دعوة للإيجابية من خلال الوقوف في وجه أي فساد، والنهي عن المنكر، وعدم الوقوف بأيدٍ مكتوفة.
وكذلك في السُنّة المطهّرة إذ يعلّمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف “مثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه مسلم. ونتعلم الإيجابية في الحديث الشريف من خلال أهمية ترابط المسلمين وتعاطفهم بوصفهم أعضاء في جسد الجماعة الإسلامية.
ومن الناحية النفسية فإن الإيجابية تساعد على المرونة الفكرية والنفسية، فصاحب الإيجابية يتّسم بالرقيّ في التعامل والتفكير بفكر مستنير، وهو أكثر قدرة على الإنجاز والعمل، والرغبة في التغيير من التفكير السلبي إلى التفكير الإيجابي، كما يتسم صاحب الإيجابية بالتفاؤل والرضا، والذكاء الوجداني، والسعادة النفسية؛ نتيجة للعوامل السابقة، وتقديم وبذل الجهد في سبيل إفادة الغير عن قناعة ورضىً.
وفي الختام، فقد أوصت بعض الدراسات بضرورة التأكيد على إيجابية الشخصية المسلمة، وخصوصاً في الممارسات السلوكية، ويكون ذلك من خلال الاعتداد بالذات، عدم الحياء من الحق، والتعبير عن المودة والمساندة، والثناء على الفعل الجيد، ومراجعة الذات والاعتذار العلنيّ في حالة الخطأ، والإيثار تجاه الآخَرين، والقدرة على التحمل ومواجهة الضغوط، والثقة بالنفس.
وأخيراً، كُن إيجابياً وعِش بالأمل، فالإيجابية إيمان وعمل.