من وحي الوحي
د. حميد أبو شفيق الكناني
يأتي الوعي من وحي الوحي وهذا أحد دروسي الأخيرة في تحفيظ القرآن الكريم والعوامل المؤثرة على تنشيط الذاكرة وتأجيل النسيان حد الإمكان.
بدأت الدرس بالحكمة رقم ٢٥٠ من كتاب نهج البلاغة:
وَ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُعَرِّفَهُ الْإِيمَانَ، فَقَالَ (علیه السلام) إِذَا كَانَ الْغَدُ فَأْتِنِي حَتَّى أُخْبِرَكَ عَلَى أَسْمَاعِ النَّاسِ، فَإِنْ نَسِيتَ مَقَالَتِي حَفِظَهَا عَلَيْكَ غَيْرُكَ؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ كَالشَّارِدَةِ يَنْقُفُهَا [يَثْقَفُهَا] هَذَا وَ يُخْطِئُهَا هَذَا.
تتظافر عوامل عديدة لإنجاح أي عمل يكون فيه الهدف مشتركاً و السعي مباركاً، ومن ذلك ما نحن فيه من هذا السعي المبرور في تحفيظ القرآن الكريم، ومن العوامل المؤثرة في اجتماعها هي أولاً المجهود الفردي وهو الأصل و الأساس و ثانياً المجهود الشعبي إذا جاز التعبير وهي البيئة المناصرة بالعفوية و التلقين و ثالثاً النظام الإداري المتمثل بالمؤسسة أو المدرسة.
وفي الحكمة رقم ٢٥٠ من نهج البلاغة رد الإمام علي عليه السلام على سؤال السائل بالتطويل و التعطيل، حتى تتوفر العوامل أو الشروط الثلاث ليستوفي السائل الجواب التام و العام.
فالسائل هو طالب و راغب و الإمام هو المدرسة المعلمة و تأخير الإجابة إلى الغد حتى يحضر الناس تأجيج لإثارة عقولهم و تهييج حماسة قلوبهم.
ومن هذا المنطلق يحتاج الحافظ و الحافظة إلى المجهود الفردي أكثر فأكثر ، لأن المجهود الشعبي وهو الطبيعة أو البيئة الملهمة نادر و النادر كالمعدوم.
فأنت عندما تخرج إلى الشارع لا تجد اثنين أو أكثر يتحدثون عن تفسير آية أو نقل رواية أو ما قارب ذلك لتنتقل لك الاشعة العلمية فتكتسي الذاكرة بحلة جديدة وشحنة مفيدة وتكتسب الطاقة الإيجابية.
وحتى لو طرق الناس (المجهود الشعبي) أبواب العلم و المعرفة و خاضوا في أحسن الحديث القرآن الكريم فأنك لن تسمع إلا تكرار المكررات، وبناء على ذلك يكون الاعتماد على النفس هو المحور في مشوار الحفظ إضافة إلى الاساتذة و التلامذة في المؤسسة أو المدرسة في الدراسة و المدارسة و جلسات الممارسة، و كذلك الاستشارة والانتفاع من تجارب الحفظة و الاستشارة عين الهداية و أمرهم شورى بينهم.
وفي الختام أقول أن في هذا الدرس المختصر الوجيز من تحفيظ الكتاب العزيز رسالة عامة وهامة تشمل بقية مرافق الحياة في الفكر و الثقافة و العلم و المعرفة و الفن و الحضارة.
وقد قيل نزل القرآن بـإياك أعني فاسمعي يا جارة.