تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

إلا قاتلًا قلقًا وقتلى هادئين

بقلم /خليفة السعيدي

يقول الكاتب الشهير إرنست همنجواي: الجبان يموت ألف مرة ، والشجاع مرة.

وأنا أقول لا يا إرنست فغزة أظهرت لنا النقيض تماماً ، أن الجبان يموت موتة واحدة ذليلة وحقيرة ، أما الشجاع يا إرنست فيموت ألف مرة ، يموت مرة دفاعاً عن وطنه ومرة عن أهله ومرة عن أطفاله ،وبيته ، وجيرانه وأصدقائه ومصحفه وزيتونه ومستشفاه وووو.. يموت ألف ميتة مجتمعة في ميتة واحدة …

ترعبنا المشاهد المصورة للمجازر والنزوح لأهل غزة ، تستقر في الذاكرة

تأتيك في المنام ، تألمك من الأعماق

تفجر في نفسك غيض المكّبل الذي لا يستطيع أن يفعل شيئًا وتقول في نفسك هذا المشهد يستحق أن يُخلّد في قصيدة من قصائد المتنبي، أو في لوحة صارخة مؤلمة لإدوارد مونش .

من هذه المشاهد التي علقت في ذهني: مشهد النزوح لعائلة صغيرة ،تظهر في المشهد فتاة تحمل حقيبة سوداء تمشي متثاقلة جسد بلا روح قد أنهكها المسير، ترسل تعابير وجه حزينة مع دموع يملؤها التعب والقهر والضيم والظلم والتهجير والفقد ، سمِّ ما شئت من مرادفات الكسر ستجده في تعابير وجهها ، تعود لمساعدة فتى يجر أخاه المشلول في كرسي متهالك بالكاد تدور عجلاته ، ترفع رجلاه لكي لا تعيق حركة عجلات الكرسي ، يلبس الفتى المشلول ملابس شتوية رغم الشمس اللاهبة، وتبدو ملامحه مرهقة وحزينة وشاحبة ، يجر أخاه بصعوبة ومشقة ويمشون معاً كمن يمشي على الجمر ، يشاهد هذا المشهد شاب نازح يمشي وراءهم بأمتار قليلة ، لا يستطيع أن يتمالك نفسه ويجهش بالبكاء ، هذا مشهد من آلاف المشاهد التي تزهق فيه كرامة أصحاب المعالي والسعادة العرب ويرتفع فيه أهل غزة عزة وإباء وصمود وشهامة . أعرف أن لكل واحد منكم مشهداً يتخيله في نومه ويقظته بل أحيانًا يفقده شهيته ، بل ويصبح روتينه اليومي بائساً لا قيمة له ولكن هذه حيلة من لا حيلة له .

أما في الجهة المقابلة كم تبهجنا مشاهد قنص المقاومة للصهاينة ، عندما تستقر الطلقة في قلب أحدهم فيسقط غير مأسوف عليه ، فيدب الخوف والقلق والرعب في الآخرين فيهربون بلا أي وجهة كالقطيع من الماشية ، فكلمة جبان كبيرة على كل جندي صهيوني فهو أصغر وأحقر من ينزل للقتال ، فهم يقاتلون من وراء صواريخهم ودباباتهم التي تتخبط بلا هدف {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ} الحشر 14…

بالرغم من كل القتل وكل الدمار الذي تسبب به الصهاينة إلا أن الرعب يأكل قلوبهم ، فعندما يمروا على البيوت المهدمة يخافوا أن يستيقظ أهلها من تحت الردم فيقصفونهم مرة أخرى ، ينبشون القبور ليتأكدوا أن الجميع موتى ،هل أدركتم الآن أنه يجب علينا أن نبحث في القاموس عن كلمة تصف جبنهم فكلمة جبان أشرف من أن تقال في أشجع صهيوني منهم ، بينما يقف شعب غزة صامداً رغم كل دمار ، هادئ رغم كل وجع ، محتسباً رغم كل فقد ، يرفعون شارة النصر وهم خارجون من تحت الأنقاض، فصدق الشاعر تميم البرغوثي حين قال :

فيضيء ليلته بأنواع القنابل،

سائلًا قطع الظلام عن الركام وأهله

ماذا ترين وتسمعين

فتجيبه

لم ألق إلا قاتلاً قلقاً، وقتلى هادئين

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights