روضة ..
مريم شملان
أشرقت الشمس في يوم بارد لِتتدثر بدفء الجبل والحِجارة المتناثرة حوله بكل مكان، وبأسفل الجبل هناك “روضة” قد انتهت من إعداد وجبة طعام لها ولزوجها، وتضعهم في زوادة، وتتهيأ لِوداع من تُحب، هي تعد عدة “الرعي” وإبن عمها يعد عدة
البحث لناقته التي لم تعد منذ أشهر من تلك الصحراء الشاسعة، تحمل زوادة لها حتى عودتها بعد الظهيرة من رعي أغنامها، ويحمل هو زوادة له بها القليل من الطعام وما يحتاجه للطريق في أيام البحث، يمضون والمواشي القليلة أمامهم وهو يحمل ما يحتاجه لجلب “الناقة” وهي بجانبه تمشي بين الحديث المُؤنس وبين الضَحكات والنصائح وعدم القلق والخوف عليه.
يومان أو ثلاثة أيام يُخبرها وأنه سيعود، وأن عليها أن تنتظره عند نقطة العودة كما حال الذهاب الآن من نفس المكان، فكان الوعد وذهب عنها وهو وهي على نفس الاتفاق. وهكذا مرت أكثر من يومان و”روضة” تجلس كل يوم في نقطة الوداع وبالنفس أملاً بلقائه وعودتة، وعيناها تمتد للمساحات الواسعة في تلك الصحراء الشاسعة التي ليس بها إلا خَضار الغاف، والسدر والسمْرْ، وعُشب الأرض، ولا تسمع إلا ثُغاءِ مواشيها المُستمر وأصوات الطيور العابرة في السماء،. يدنوُ المساءَ وتعود إلى خيمتها على أمل بأن الزوج سيعود بالغد، وتَغرسُ الأمل ويكَبْر الحُلم بعودته.
يأتي صباح يوم جديد وذلك الطريق كل يوم تمضي فيه بِفرح وتعُود باكية حزينة، مضى شهر والقلق والخوف ينتاب قلب “روضة” فذهبت بإتجاة الرُعاة المُجاورين للسؤال عنه؛ ولكن لا جدوي، فما من ردٍ يشفي أو إجابة تُريح النفس، ذهبت إلى أقاربه لِتُخُبرهمْ بفقده، وقد بحثوا عنه في الأماكن التي تتجه إليها الجِمال وتم السؤال عنه فعلّ قد يكون من قد مرّ عليه ورآه أو ذكرهُ لهم، ولكن لا مُجيب على سؤال، ولا يوجد لديهم إلا الصبر والإنتظار.
أصبحت كل الأيام مُتشابهة لا من تُحب قد عاد ولا وجدت من يُخبرها بما حدث له، بدأت الشكوك والوساوس تَنهش قلبها، فقدت الأمل، بدأت تضع يدها بالتراب وتلهوُ بالحجارة وما يقع بيدها وما يُلهيها بوحدتها ووقتها الطويل وهي جالسة وعيناها لا ترى سوى السراب. عادت بأغنامها إلى خيمتها وبقيت ليلتُها في مكَانها مُستقرة حتى داهمها سواد الليلِ وعِواء الذئاب من بعيد، ونِباح الكِلاب من قريب. عَادت إلى خيمتها وجاورت النار وهي في بِكاء ونحيب، وشُعور الفُراق قد أستوطنْ رُوحها.
تأتي إليها جارتها كل ليلة لِتطمئن عليها وتقضي الليل برفقتها حتى الصباح، وبشروق الشمس تعود عنها، وبليلة ظَلماء باردة ممطرة برعد وبرق وأودية تجري، وشِعاب تَغمر الأماكن القريبة والبعيدة، استيقظت “روضة” في منتصف الليل ببكاء وحنيين وحديث النفس بأنّ الذي ذهب لن يعود، وهكذا حتى أخذها النوم ونامت إلى أن أقترب الصباح، وعند توقف المطر فجراً أستبشرت روضة بسماع رِغَاء “الناقة” التي ذهب من تُحب للبحث عنها وقد أَتت ليلاً وهي أمام خَيمتها ووليدها معها، ولكن من ذهب ليعود بها لم يعد، وأدركت بأن لله قدرة فيما شاء وبأنّ الوقت لن يُنسيها ولكن سَيمدها بالصبر لتمر الأيام على من ذهب ولم يعد ذكرى تؤنسها في الذهاب والعودة على ذلك الطريق.
– الزوادة: صرة يوضع فيها الطعام