حكايتي مع مسن ..
سميرة أمبوسعيدية
بسم الله، أواصل سلسلة حكاياتي وحكايتي اليوم مع مسن، وهذه المرة أحكي لكم حالة مسن في التسعينات من عمره، في البداية ترددت كثيرا في سرد حكايته، ولكن الموقف الإنساني يتطلب مني أن أكتب لكم مختصرا ما رأيت أيها الإخوة والأخوات القراء، وأنتم أيضا أيها الأحفاد.
جلست مع مسناً الطاعن في العمر، ضعيف البنية يعاني من أمراض الضغط والسكر، ولكنه ذو صحة عقلية جيدة ولله الحمد… رأيته مهموما عند زيارتي له، وسألته عن صحته وأثنى بالحمد والشكر لله، وقتها استجمع قواه حين أخبرني بأنه متعب وأصبح غير قادرا على تحمل حالته وحالة أولاده الخمسة وهو يراهم في صراع دائم مع بعضهم فيمن يأخذني معه لبيته للعيش معه لعدة أيام، ولكن ليس هذا الذي يضايقني ويحزن قلبي يا ابنتي، وإنما أحزن عندما أسمعهم وهم يطالبون بعضهم البعض بالنفقة وأسمع أحد أبنائي وهو يقول: فقبل أن تريدوا مني أخذ أبي فهل تساعدوني في النفقة عليه في الأيام التي سيقيم معي في البيت…؟
هنا تأملت حالة هذا المسن، وقلت في نفسي؛ يا ترى هذا المسن يأكل أكثر من أولاده، أم أنّ ملابسه أفخم من ملابس أولاده، أم أنّ هذا المسن يطلب هاتفا أفضل من هاتفهم…؟!سبحان الله تعجبت من موقفهم ومطالبتهم بالنفقة لأبيهم، وحالهم أفضل من حال أبيهم في المستوى المعيشي، حسبما رأيت من حالة ملابسهم مقارنة بملابس أبيهم، حيث يكاد هذا المسن يلبس ملابس رثة إن صلح المعنى… أيعقل أن نصل إلى زمان نطلب النفقة لرعاية آبائنا وأمهاتنا؟!، وأنتم أيها الأبناء هل تناسيتم أم نسيتم آبائكم حين كانوا يشتروا لكم الدفاتر والأقلام لكي تتعلموا، أم نسيتم عندما كانوا يشتروا لكم ملابس العيد لتسعدوا بالفرحة والبهجة ووقتها لم يطلب منكم النفقة، بل كان كل همه راحتكم وسعادتكم…؟!
واصلت حديثي مع الوالد المسن، وهو يقول: هذا حالي كما تشاهدين يا ابنتي. وأنا أشاهد في ذهول وفجأة أتى لزيارة المسن أحد أبنائه مصطحبا إبنه ذو الخامسة عشرة من العمر، أتوا لأصطحاب الأب معهم لبيتهم، والمحزن في الأمر أن أرى هذا الحفيد يجادل أعمامه ويخبرهم: إذا أتى جدي معنا البيت عليكم بمساعدة والدي بالإنفاق عليه. وقتها لم يكن لي الحق بالتدخل بينهم، ولكن أخبرت الإبن الأكبر أنه ليس من الأدب أن تعلم إبنك العقوق وعدم الإحسان لجده، وعدم احترامه لأعمامه… حينها استأذنت بالرحيل من بيتهم وأنا مثقلة بالحزن على هذا الرجل المسن لما رأيت من صراعات بين أبنائه…
يا له من حال مؤسف عندما ترى حصاد الزرع في الأحفاد بما تم زرعه من أبنائهم تجاه جدهم المسن!
إن لم تكن قادرا على الإحسان والبر لوالدك لارتباطك بالأعمال وأشغال الحياة؛ وقتها علم أولادك الاهتمام برعاية جدهم، وحبب إليهم حب الأجداد، وعلمهم بأن الجد بركة البيت، وأنهم البركة والراحة للأحفاد بين أجدادهم.
وختام حكايتي، أسأل الله لي ولكم جميعا لين القلوب تجاه كبار السن، وأن نكون اليد الحانية المحبة والمجاهدة لرعاية الآباء، ونسأل الله
بأن يكون الأحفاد هم بهجة القلب وراحة البال للأجداد، وأن يكون برهم خالصا بالحب والرحمة. ولا تنسوا بركة البيوت بكبار السن، فكن أنت معهم؛ يكن الله معك ببركة البر.
دمتم في أمان الله…