التعصب
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
لكل فرد وجماعة ملامح شخصية تميزهم، ولكل مرحلة عمرية من مراحل العمر طبيعة وخصائص، وموضوع التعصب من الموضوعات ذات الأهمية التي تتغلغل في الشخصية خلال المراحل العمرية، وأن طبيعة التعصب ما زالت تمثل موضوعا رئيسا للعديد من النقاشات والحوارات لدى العديد من المهتمين في شتى المجالات ذات الصلة. وقد بدت محاربة التعصب منذ بداية عصر صدر الإسلام، وعندما نزل القرآن الكريم وكان التعصب هو أهم سمة في هذا العصر، ويحدد علاقة المجتمعات ببعضها بعضا، وكان التعصب القبلي هو أول هذه الأنواع، فنزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}-[الحجرات].
ويعرف التعصب بأنه اعتقاد وشعور داخلي مشحون انفعاليا، واتجاه سلوكي يجعل الفرد يفكر تفكيراً نمطياً خاطئا، ويتبنى أفكاراً معينة سواء قبلية (ضمنية ذاتية) أو دينية أو رياضية أو اجتماعية (ظاهرية)، ويتشدد لها، ويتمسك بها، فقد يميل ويتشدد لفئة معينة أو لفريق رياضي معين، أو يتشدد لرأي ديني دون الآخر، أو يكره من ليسوا على دينه؛ وبذلك نستنتج أن التعصب يشغل جانباً فكرياً عقليا، وجانباً نفسياً شعوريا، وجانباً إجرائياً سلوكيا، وللأسف الشديد يتصف صاحبه بالجمود الفكري وعدم المرونة النفسية والفكرية، لأنه إضافة لما سبق يهرب من النقاش الجماعي أحياناً إلى النقاشات الأحادية والرأي الواحد غير القابل للجدل والنقاش.
ولا شك أن الوضع النفسي للأفراد يعد مؤشراً حساساً للتعرف على طبيعة التصرفات الدالة على سلوك التعصب، إذ أن ما يتعرض له الفرد من ضغوط نفسية أو تواجده في بيئة معينة أو جماعة معينة لهو سبب في هذا المنتج الأخير وهو نوع التعصب، حيث ينال التعصب موضوع التفاعل الاجتماعي، وعندها يعزل أصحابه عن الاستماع للطرف الآخر، ويعد بمثابة حاجز أو سد منيع لميلاد فكر جديد أو رؤية جديدة تناقض الفكر القائم، ويخلف التعصب وراءه أضرارا كثيرة؛ أهمها الغشاوة التي تعصب الأعين عن الرؤية الحقيقية أو الوضع في مساره الصحيح، فلا يرى الشخص المتعصب الحقيقة على واقعها ولا الواقع على حقيقته؛ لأنه يرى ما يود رؤيته هو لا كما هو في الحقيقة، وعند تعامله فإنه يسلك أحد مسلكين: إما أن يشعر بالتهديد، أو بالأمن والحب، تبعاً لما تمليه عليه أفكاره ومعتقداته الداخلية الخاصة، ونستمد من ذلك أن الشعور الداخلي والنزعة والرغبة في الشيء قد تغلق الفكر وتطمس القلب، وصدق من قال “أن من خارج الدائرة ليس كمن داخلها، فما راءٍ كمن سمع”.
ولحل مشكلة التعصب ينبغي الرؤية إليها من زاوية مختلفة، والإيمان بصعوبتها ودرجتها عن فهي مشكلة ليست بالهينة، يلزمها تشخيصا دقيقا لهؤلاء الأفراد، وإيماناً بالتغيير من كلا الطرفين سواء الشخص شديد التعصب أو القائم بالإرشاد والعلاج، ومن أهم الطرق المستخدمة في علاج مشكلة التعصب ما يلي:
– مُدارسة الحالة جيداً، والتعرف على مكنوناتها الداخلية، وتحليلها تحليلاً نفسيا.
– توضيح نوع الاتجاهات التعصبية وسببها كالأفكار اللاعقلانية ومعايير الانحراف.
– تبني الاتجاه المعرفي السلوكي، الذي يقوم على إعادة البنية المعرفية من خلال مجموعة من الإجراءات التي تقوم على أن العوامل المعرفية تؤثر في السلوك.
– تبني العلاج العقلاني الانفعالي؛ فالتفكير والانفعال عمليتين متداخلتين، ويتأثر بهما السلوك، فأضلاع المثلث الثلاثة: التفكير، والانفعال، والسلوك تصاحب بعضها بعضا، وتتأثر تأثيرا كبيرا.
– التغيير الإيجابي من خلال تصحيح مسار التفكير المنطقي.
– استثمار نقاط القوة في الشخصية بعد اكتشافها والتعرف عليها.
– تطبيق فنيات معينة كإعمال العقل وتحري الحقائق وتقبل الآخر والوعي الذاتي.
– تعليم الحالة الوقفة مع النفس، وشيم التواضع والتسامح.