الصيام والتقبُل والالتزام
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
قدْ يعيش الفرد منّا لحظات من الملل أو الشّرود الذهنيّ أو الشعور بفقدان الشّغف وحبّ الحياة، وأعراض ضعف الاستقرار النفسيّ؛ نتيجة المرور بظروفٍ معينة أو بسبب البعد عن الفرائض والشعائر الدينية، والحقيقة أنّ أغلب هذه الفرائض تُعلّم الإنسان الالتزام والانضباط ومنها الصوم.
فالصّوم نفسهُ ميقاتٌ محددٌ بساعاتٍ معينة تَجبر الصائم على الالتزام بها صابرا متحمّلا، وقد وضع الصوم للصائمين توقيتات محددة للإمساك والسحور والإفطار وغيرها، كما أنّه يُعلّم الصائم الالتزام بتقسيم وقته وتخصيص جزء معلوم منه للأذكار وقراءة القرآن والقيام وغيرها من الشعائر الروحانية السمحة.
والالتزام الّذي يعلمنا الصوم إياه يبدأ من ميدان النفس وينتهي بميدان الوعي والانضباط، وتمرين الذات على احترام الأوقات وتقديسها، والعامل المهم في هذا الأمر بداية هو التقبل والإقدام على الصوم والالتزام به، حيث إن العلوم النفسية قد حددت أن التقبل والالتزام يعطي أهمية قصوى لتأثير الفرد في حياته، وتحقيق أهدافه وفقا للقيم التي يتبناها، فقيمة الصوم تولّد لدى الصائم شعورا بالفعل الملتزم، والعيش في اللحظة الراهنة تطبيقا لرغبة داخلية، واكتسابا لمرونة نفسية تمكّنه من تعديل سلوكيات سلبية إلى سلوكيات إيجابية، وتعديل أفكار مشوّهة إلى العقلانية.
فالدّماغ البشري حينما يبدأ في التعرف على شيء فإنه يحدث ترميزا لبعض عمليات التعلم واستدخال جملة من المعطيات تشكل في مجملها ذلك الشيء، ويتضح ذلك المثال بالدخول في أجواء الصيام، حيث يدخل الصائم في الالتزام السلوكي الذي يعني بتنفيذ السلوكيات المرتبطة بالقيم والأهداف وتغيير السياق، فالصوم إيذانا بالتزام يحوي تغييرات فكرية ونفسية داخلية وخارجية؛ تجعل الفرد متقبلا وعازما على التغيير من السيء إلى الأفضل، ومن هنا يتضح لنا الربط بين الصوم وبين التقبل والالتزام كأحد الجوانب الإرشادية العلاجية للشخصية المسلمة.