رمضانيات اليوم الثامن والعشرون: للباحثين عن الحياة الطيبة…!
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،
فيا أيها الأحبة في الله، يا من تبحثون عن الحياة الطيبة، ويا من يطمح إلى نيل تلك النعمة العظيمة، إنكم تعلمون يقينا أنّ الحياة فانية وهي مجرد قنطرة عبور؛ إما أن تكون للإنسان وإما عليه، وتمر ساعاتها ولحظاتها وأيامها وأعوامها على الإنسان كلمح البصر، فقد تقوده إلى المحبة والرضوان؛ فيكون من أهل الفلاح والجنان بتوفيق الله وفضله ورحمته عليه، أو تمر عليه فتقوده والعياذ بالله إلى نار جهنم وبئس المصير، وإلى غضب الله الواحد الديان.
أيها الأتقياء، قال تعالى في كتابه العزيز في عدة آيات، واصفاً حال الدنيا والآخرة؛ حيث قال سبحانه: {وما الحياةُ الدّنيا إلا لَعِبٌ ولهوٌ وللدّارُ الآخرةُ خيرٌ للذينَ يتّقونَ أفلا تَعقلونَ}-[الأنعام 32]، وقال: {وما هذهِ الحياةُ الدنيا إلا لهوٌ ولَعِبٌ وإنّ الدارَ الآخرةَ لَهِيَ الحيوانُ لو كانُوا يَعلمونَ}-[العنكبوت 64]، وقال: {اعلموا أنّما الحياةُ الدنيا لَعِبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموالِ والأولادِ كمَثلِ غَيْثٍ أعجبَ الكفارَ نباتُهُ ثم يَهيجُ فتراهُ مُصْفرًا ثم يكونُ حُطامًا وفي الآخرةِ عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ مِنَ اللهِ ورِضوانٌ وما الحياةُ الدنيا إلا مَتاعُ الغُرورِ}-[الحديد 20].
فهكذا هي الحياة الدنيا أحبتي في الله، إما أن تضحكك ساعة لتبكيك دهراً، وإما أن تبكيك ساعة لتضحكك دهراً، فالحياة إما نعمة للإنسان أو نقمة عليه. نعم، أيها الأحبة فالحياة هي كل لحظة نعيشها، وكل ساعة نقضيها، ونحن نعيشها إما لنا وإما علينا؛ فالفائز منا هو الموفق السعيد الذي نظر فيها وعرف حقها وقدرها، فطالما أبكت أناساً فما جفت دموعهم، وطالما أضحكت أناساً فما ردت عليهم ضحكاتهم ولا سرورهم!
أحبتي في الله، ها نحن الآن أوشكنا على إتمام هذا الشهر المبارك، وعشنا لحظاته في أيامه ولياليه في العبادة والطاعة أكثر من بقية الشهور الماضية، ويا لحظّ من صامه وقامه إيماناً واحتسابا، ويا لخسارة من ضيع فيه وقته وخسر فضله وبركته وأجره.
أحبتي في الله، اعلموا أن هذه الحياة الدنيا جعلها الله دار ابتلاء واختبار، وفيها تظهر حقائق العباد؛ ففائز برحمة الله سعيد، ومحروم من رضوان الله شقي مطرود من رحمته سبحانه، وكل ساعة نعيشها إما أن يكون الله راضياً عنّا، وإما أن يكون العكس والعياذ بالله، فإما أن تقربنا من الله، وإما أن تبعدنا من رحمة الله، وقد نعيش لحظة واحدة من لحظات حب الله وطاعته تغفر بها سيئات الحياة، وتغفر بها ذنوب العمر، وقد نعيش لحظة واحدة نحيد فيها عن صراط الله ونبتعد عن طاعته؛ وتكون سبباً في شقائنا في حياتنا كلها.
إن السعادة الحقيقية والحياة الطيبة أحبتي في الله تكون بالقرب من الله، فهو ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، فالأمر أمره، والخلق خلقه، والتدبير تدبيره، ولذلك تجد الإنسان دائماً في قلق وتعب، فربما تجد بعضنا يتمتع بكل الشهوات، ومع ذلك تجده من أكثر الناس آلاماً نفسية، وأكثرهم قلقاً، وأكثرهم ضجراً بالحياة؛ لأن الله جعل راحة الأرواح في القرب منه، وجعل لذة الحياة في القرب منه، وجعل أنس الحياة في الإنس به سبحانه وتعالى.
لهذا أحبتي في الله ينبغي لنا أن ننظر في حالنا، وأن نجتهد قدر استطاعتنا في صلاح أنفسنا باطنا وظاهرا، وصلاح القول والعمل، وأن نتمتع في حياتنا من النعم بالشكر وعمل الخير، والإنفاق من مال الله الذي أتانا، قال تعالى في سورة القصص: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)}.
وعلينا أحبتي في الله المحافظة على صلتنا بالله، ونجعل حياتنا ساعة وساعة، فعن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب-أحد كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: لقيني أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله ما تقول؟! قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، قال أبو بكر رضي الله عنه: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا. فقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: (والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، لكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات). رواه مسلم.
نسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.