رمضانيات اليوم الرابع والعشرون: تحلّوا بسلامة القلب
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله الذي جعل النجاة في الآخرة لمن كان قلبُه سليماً، القائل سبحانه في كتابه العزيز: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}-[الشعراء]. والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،
أيها المؤمنون الأتقياء، إنّ الله تعالى بعث لنا حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون لنا هادياً ونصيراً ورحمة، وجاء ليتمم مكارم الأخلاق، فقد كان يملكُ قلباً سليماً، ويملك روحاً تحب العفو والمسامحة.
أحبتي في الله، إن مما يؤسف له أن يكون هناك فئة من هذه الأمة المحمدية ممن يحملُ في قلبهِ من الغل والحقد والحسد الشيء الكثير! وهذه بلا شك من الأمور الهادمة للأعمال التي تقوم عليها العبادات، وهي مهلكة لأصاحبها في الآخرة، ناهيكم عن سوء سمعتهم بين الناس ونفورهم منهم إذا ما عرفوا عنهم ذلك السلوك.
نعم أحبتي في الله، لا ريب أن في نفس الوقت ما زالت هناك قلوبٌ لا تعرف الانتقام ولا البغي ولا العدوان ولا الحقد والحسد، ويتحلون بروح سلامة القلب والنفس والعقل. ولنا في رسولنا الحبيب-صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة في التعامل مع المواقف الصعبة والمؤلمة، إن قلبهُ كان واسعاً يستوعب كل العيوب والمخالفات التي تصدر من المخالفين لأمر دعوته، وهذه هي صفات الأنبياء والمرسلين والقادة العظماء.
والقلب السليم يا أحباب الله، هو ذلك القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد، وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة. فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام)- رواه البخاري.
ولنعرّج بكم قليلاً أحبتي في الله لموقف واحد على الأقل من تلك المواقف المؤلمة التي حدثت لنبي الرحمة وصاحب القلب الرحيم؛ فحينما خرج للطائف لدعوتهم إلى دين الله، رفضوا دعوته واستكبروا عنها؛ بل وحشدوا الأطفال وغيرهم من المجانين ليرجمونه بالحجارة! ثم يحتسب الأمر إلى الله وحده ويسيرُ بهمومه وحزنه، وهو لا يدري أين تذهب به الخطا ولا يفيقُ إلا بعد مسافة بعيدة، وجسده الطاهر تتقاطر منه الدماء ومن تلك الأقدام التي خرجت لله ولنصرة دينه. وجاءه في تلك اللحظة ملك الجبال ومعه سيد الملائكة جبريل عليه السلام، فيسلم عليه جبريل عليه السلام، ويقول له: “إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليه، وهذا ملك الجبال إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين -أي الجبلين-“؛ فتنتهي بذلك قرية الطائف في تلك اللحظة، ولكنه عليه الصلاة والسلام نظر إلى جانب الرحمة والعفو والتفاؤل، فكان الجواب من رسولنا الرحيم: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)- رواه البخاري ومسلم ، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. حقاً إنه العفو وسلامة القلب، فما أعظمه من موقف وأجله من رحمة!
فما أحوجنا أيها المؤمنون المتقين أن نكون كذلك في تعاملاتنا، سواء كان في البيت أو مع الأرحام والأقرباء أو المجتمع؛ لنعيش بسلامة القلب قولاً وعملا، وليكن العفو هو منهجنا وطريقنا، ولنكن من أصحاب القلوب الرحيمة، فمن عفا عفا الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، ومن غفر غفر الله له، ولنتذكر قوله تعالى:{…وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}-[النور:22]. وقوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}-[الشورى].
فيا صاحب القلب السليم، اعلم أنك سوف تكون بتوفيق الله من صفوة الله المختارة، وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة، فقال: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَآ أَنْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ ۖ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ ۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}-[لأعراف:43]. وقال: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}- [الحجر:47].
اللهم اجعل عملنا كله صالحاً خالصاً متقبلاً، ولا تجعل للشيطان في عملنا حظاً ولا نصيباً، ووفقنا لما تحب وترضى، وارزقنا خير الآخرة والأولى. آمين