رمضانيات اليوم الثامن عشر: اشكروا الله على النعم
خلفان بن ناصر الرواحي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،
فيا أيها المؤمنون الأتقياء
إنّ نعم الله علينا كثيرة فلا تعد ولا تحصى، بل هي متتابعة علينا بتتابع الليل والنهار، قال تعالى: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾- [إبراهيم: 34]، وقال تعالى: ﴿ ومَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾- [النحل: 53].
نعم، لا يدرك النعمة إلا من يفقدها، وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، والذي لا بد من إدراكه لكل ذي لب أن شكر النعم التي تفضل بها علينا المنعم سبحانه وتعالى يجب أن نحافظ عليها بدوام الشكر لله، والمحافظة عليها بما يصونها ويساعد على ديمومتها، وتلمس احتياجات الناس وهمومهم التي تحيط بنا، ونقارن أنفسنا بمن هو أدنى منا وليس بمن هو أكثر منا نعمًا دون إدراك الحقيقة المخفية التي نعلم حقيقتها إلا عندما نراها بأم أعيننا!
فلتعلم أخي الكريم أنَّ من أعظم هذه النعم هي نعمة الهداية لهذا الدين القويم، فقد أكرمنا الله تعالى بدين الإسلام الذي هو دين الحق والعدل والرشاد، الذي ارتضاه لنا ربنا وفضلنا به على كثير ممن خلق، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾- [المائدة: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه ﴾- [الأعراف: 43].
ولهذا أحبتي في الله علينا نكون شاكرين على جميع نعمه في جميع الأحوال، ويكون شكرُ العبدِ ربَّه سبحانه بتحقيق أركانه، فيكون ذلك يقينًا صادقًا بشكر القلب، وشكر اللسان، وشكر الجوارح. فبعد عقد القلب اعتقاداً يكون شكر اللسان لفظاً ويقينا بأن المنعم هو الله سبحانه وتعالى، واشتغال هذه الجارحة العظيمة-اللسان- بالثناء والذكر والدعاء لله عز وجل. وأما شكر الجوارح؛ فهو أن يسخِّر الإنسان جوارحَه في طاعة الله، ويجنبها ارتكاب ما نهى الله عنه من المعاصي والآثام.
أيها الصائمون الأتقياء، لقد جاءت في كتاب الله وسنته العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تذكرنا وتحضنا على شكر النعم، ومنها ما جاء مخاطباً أنبياءه ورسله- عليهم الصلاة والسلام أجمعين-، قال تعالى في سياق بيان نعمه على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴾- [الضحى: 8]، ثم أمره في مقابل ذلك بقوله: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾- [الضحى: 11]. وقد قال الله تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً ﴾- [سبأ: 13]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا). رواه مسلم.
فلهذا أيها المؤمنون الأتقياء جاهدوا أنفسكم في هذا الشهر المبارك أن تستشعروا نعم الله عليكم، وانظروا إلى من هو أدنى منكم في النعمة، وعليكم بالشكر والتأمل في نعمه الكثيرة، واستحضارها في كل لحظة، ولا تأخذكم عن ذلك الغفلة عنها؛ فإن كثيرًا منا يتنعمون بشتى أنواع النعم؛ من مأكل، ومشرب، ومسكن، وأسر، وأمن وأمان وطمأنينة وسلام، وصحة وعافية، وراحة البال، وصفاء النفس وعافيتها، وغيرها من النعم التي لا تحصى ولا تعد، ومع ذلك لا يستشعرون تلك النعم! لأنهم ربما لم يفقدوها يومًا من الأيام، واعتادوا عليها؛ فلذلك أحبتي في الله علينا التأمل، فالله سبحانه وتعالى يريد منا التأمل والتفكر في هذه النعم العظام، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾- [فاطر: 3].
ولتعلموا أحبتي في الله أنّ شكر الله تعالى على نعمه أحد مقوّمات الإيمان، ويعود الشّكر على صاحبه براحة البال وحسن الحال، فالحمد لله ربّ العالمين، حمدًا لشُكرهِ أداءً، ولحقّهِ قضاءً، ولِحُبهِ رجاءً، ولفضلهِ نماءً، ولثوابهِ عطاءً.