مقالات صحفية

الصوم والاتجاه نحو العمل

د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي

الصوم عبادة في أساسها ضرورة تنعكس على سلوك الصائم وأدائه لأعماله وقضاء حوائجه وإنتاجيته، فيتوهّم البعض أنّ الصوم سبب في إعاقة العمل أو الوظيفة فيتكاسل البعض عن أداء مهام وظيفته، والحقيقة أن الصوم عبادة مشجعة على العمل، بل وإتقانه وأدائه على أكمل وجه، فقد خاض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم غزوة بدر في شهر رمضان، وقد قام الصحابة بأداء أدوارهم على أكمل وجه وهم صائمون.

إنّ إتقان العمل واجبٌ شرعيّ أثناء الصوم في رمضان وغير رمضان، ويُلاحظ في الكثيرِ من المجتمعات تكاسُل وتراخي البعض في تنفيذ مهامه وأعماله، وقد ينعكس ذلك على مصالح المواطنين، وبذلك يكون قد غيّب ضميره، ولا عجب إن قيل أن من يفعل ذلك؛ يعطي دليلاً واضحاً على أنه لا يقوم بتنظيم أعماله وشعائره الرمضانية، فالشخصية لا تتجزأ.

والحقيقة أنّ إهمال العمل بحجة الصوم يتعارض مع الأهداف السامية من الصوم؛ والتي هي في حقيقتها دعوة إلى الهمّة ودافعية الإنجاز، وتبنّي السلوكيات الصحيحة، وإن كان هناك ضَجَر من العمل أو تكاسُل فليس مَردّ ذلك إلى الصوم، وإنما لنمط الشخصية وممارساتها وسلوكياتها التي تحتاج إلى إعادة نظر وتفكير عميق في الهدف السامي من الصوم.

إن إهمال العمل أثناء الصوم خيانة للأمانة وخيانة للذات وخداع لها، وإيهام النفس بمبررات وهمية وواهية سببها ضعف الوازع الدينيّ وموت القلب وخداع النفس وإعطاء انطباع سلبيّ عن الصوم، أمّا الأعمال الشاقّة التي تتطلب مجهوداً واستنفاذاً للطاقة فعلى صاحبها اللجوء لأهل الاختصاص كي يفتونه الفتوى الصحيحة بشأن هذا الأمر، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ سورة النحل، الآية: 43.

والحقيقة أن للضمير الأخلاقيّ والإنسانيّ دورٌ كبيرٌ في هذه القضية، حيث إن تحكيم الضمير واستشعار مراقبة الله عزّ وجلّ من الضرورة بمكان، وأن من يتكاسل عن عمله عليه أن ينظر لذاته بمنظور أوسع، والبحث عن سُبل ترتيب أولوياته وأوقاته حتى يحسن إنتاجيته ويحسن صومه عمله وليس الصوم عن العمل، فالعمل أثناء الصوم ينبغي أن يتم في أجواء تتّسم بالسعادة والرضا التي يستشعرها الفرد أثناء صومه، وبذلك يحقق فوائد متعددة، منها ما يختصّ بالعمل، ومنها ما يختصّ بالنفس والشرع.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights