الصيام وصفة الصّبر
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
الصّبر هو الصّمود المستمرّ، والتّحمل الواجب عند التعرض لمواقف تستدعي الصبر على الأشياء المؤلمة نفسياً، وبنفسٍ راضية وطيبة بدون إبداء أيّ مظاهر للسخط والاستياء، فالصوم سِمة أخلاقية ونفسية راقية يدخل بها الصائم جنّته من باب الريان، والصوم يدعم الصبر كسِمة شخصية ونفسية لتقوية النفس والبدن.
والصوم والصبر متلازمان ومتبادلان، فقد قال ابن رجب رحمه الله: “من أفضل أنواع الصبر الصيام؛ فإنه يجمع بين الصبر على الأنواع الثلاثة؛ لأنه صبر على طاعة الله عزّ وجلّ، وصبر عن معاصي الله، لأن العبد يترك شهواته لله عزّ وجلّ هو نفسه قد تنازعه عليها.
والصوم نصف الصبر، ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “صوم شهر الصبر، أي: رمضان، وثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر”. رواه أحمد، فالصوم يخرج الصائم بعد انقضاء شهر الصوم، وقد اكتسب صفة الصبر، وهي نقيض التهور والتعجل والاستعجال، وفي الحديث الشريف: “التسبيح نصف الميزان، والحمد لله يملؤه، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض، والصوم نصف الصبر، والطهور نصف الإيمان، وقد ذُكر في الحديث الذي رواه شُعبة وسفيان الثوري عن أبي إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “الصوم نصف الصبر”.؛ لأن الصبر حبس النفس على أوامر الله عز وجل.
والصوم كذلك حبس النفس عن شهواتها وملذاتها؛ وفي ذلك دلالة على أن الصوم فريضة تعمل على تدريب المسلم على تعلّم الصبر والانضباط وعُلوّ الهِمّة، وتحمل المشاقّ في سبيل الله ليرضى مولاه ويخالف هواه؛ لذا فإنه من الضرورة بمكان تدريب الأبناء على الصوم ولو بشكل متقطع؛ دعماً لشخصياتهم وبنائها وترسيخ قواعد الفرائض والهدف منها. والصوم فريضة سانحة لتعلّم الصبر؛ لأنه يتمثل فيه صبر الطاعة وصبر المعصية، والصائم يقمع نفسه ويقهرها على ألم الصبر.
وحين يتذكر الصائم أن الشهوات نعمة عظيمة ينبغي تنظيمها وتوجيهها، وكذلك حين يتذكر حرمان الكثير من العديد من النّعم، يتم التدارك الذاتيّ للنظر إلى الحكمة من الصوم وتغيير الأفكار وتحمّل المشاقّ والتعوّد على الصبر، وتوضيح الحجم الحقيقي للإنسان وبيان ضعفه أمام نفسه وخالقه؛ ومن هنا يتمّ تعلّم الصبر واليقين بالمكتوب، والصبر على المرغوب، والحكمة من الممنوع.